دعوته مبلغا عن ربه داعيا إليه متوكلا عليه أي مفوضا أمره إليه إذ هو الحي الذي لا يموت وغيره يموت ، وأمره أن يستعين على دعوته وصبره عليها بالتسبيح فقال (وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) أي قل سبحان الله وبحمده ، وسبحانك اللهم وبحمدك وهو أمر بالذكر والصلاة وسائر العبادات فإنها العون الكبير للعبد على الثبات والصّبر. وقوله تعالى (وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً) أي فلا تكرب لهم ولا تحزن عليهم من أجل كفرهم وتكذيبهم وشركهم فإن ربك عالم بذنوبهم محص عليهم أعمالهم وسيجزيهم بها في عاجل أمرهم أو آجله. ثم أثنى تبارك وتعالى على نفسه بقوله (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما (١) فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) مقدرة بأيام الدنيا أولها الأحد وآخرها الجمعة ، ثم استوى على العرش العظيم استواء يليق بجلاله وكماله. (الرَّحْمنُ) الذي عمّت رحمته العالمين (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) أي فاسأل يا محمد (٢) بالرحمن خبيرا بخلقه فإنه خالق كل شيء والعليم بكل شيء فهو وحده العليم بعظمة عرشه وسعة ملكه وجلال وكمال نفسه لا إله إلا هو ولا رب سواه وقوله (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ) أي وإذا قال لهم الرسول أيها المشركون اسجدوا للرحمن ولا تسجدوا لسواه من المخلوقات. قالوا منكرين متجاهلين (مَا الرَّحْمنُ (٣)؟) أنسجد لما تأمرنا أي أتريد أن تفرض علينا طاعتك (وَزادَهُمْ) هذا القول (نُفُوراً) ، أي بعدا واستنكارا للحق والعياذ بالله تعالى. وقوله تعالى (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) أي تقدس وتنزه أن يكون له شريك في خلقه أو في عبادته الذي بعظمته جعل في السماء بروجا وهي منازل الكواكب السبعة السيارة فلذا سميت بروجا جمع برج وهو القصر الكبير وتعرف هذه البروج الاثنا عشر بالحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت. والكواكب السبعة السيارة هي : المريخ ، والزهرة وعطارد ، والقمر ، والشمس ، والمشتري ، وزحل. فهذه الكواكب تنزل في البروج كالقصور لها.
__________________
(١) قال (بَيْنَهُما) ولم يقل بينهن لأنه أراد الصنفين أو النوعين أو الشيئين وهو أخص من كلمة بينهن وأخف على اللسان والمقصود ظاهر بكل من العبارتين جمع أو تثنية.
(٢) رجح بعضهم أن الباء هنا بمعنى عن أي : اسأل عن الرحمن خبيرا واستشهد بقول الشاعر :
فإن سألوني بالنساء فإنني |
|
خبير بأدواء النساء طبيب |
فقوله بالنساء أي : عن النساء. ورأي ابن كثير أنّ المسؤول هنا هو الرسول صلىاللهعليهوسلم لأنه أعرف الخلق بالخالق وبعزته وعظمته جل جلاله.
(٣) إنهم بجهلهم أنكروا اسم الرحمن لله ، وقالوا : يأمر بعبادة إله واحد وهو يدعو الله ويدعو الرحمن فأنزل الله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (الإسراء).