(مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) : مؤخرون لحكم الله وقضائه.
(عَلِيمٌ حَكِيمٌ) : أي بخلقه نيات وأموالا وأعمالا حكيم في قضائه وشرعه.
معنى الآيات :
لقد تقدم في الآية قبل هذه أن المتخلفين التائبين قالوا للرسول صلىاللهعليهوسلم هذه أموالنا (١) التي تخلفنا بسببها صدقة فخذها يا رسول الله فقال لهم إني لم أؤمر بذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية (خُذْ مِنْ) (٢) (أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ، وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) فأمر تعالى رسوله أن يأخذ صدقة هؤلاء التائبين لأنها تطهرهم من ذنوبهم ومن أوضار الشّح في نفوسهم وتزكيهم أيها الرسول بها بقبولك لها وصل عليهم أي ادع لهم بخير ، إن صلاتك سكن (٣) لهم أي رحمة وطمأنينة في نفوسهم والله سميع لأقوالهم لمّا قدموا صدقتهم وقالوا خذها يا رسول الله عليم بنياتهم وبواعث نفوسهم فهم تائبون توبة صدق وحق. وقوله تعالى (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) الاستفهام للتقرير أي هم يعلمون ذلك قطعا ، ويأخذ الصدقات (٤) أي يقبلها ، وأن الله هو التواب أي كثير قبول التوبة من التائبين الرحيم بعباده المؤمنين ثم أمر الله تعالى رسوله أن يقول لهم حاضا لهم على العمل الصالح تطهيرا لهم وتزكية لنفوسهم (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (٥) فيشكر لكم ويثني به عليكم (وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) وهو الله عزوجل (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ويجزيكم به الحسن بالحسن والسيء بمثله. وقوله تعالى (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ. إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ
__________________
(١) المال في فصيح اللغة : هو كل ما تموّل وتملك فهو مال. والمراد من قولهم هذه أموالنا يعنون ما لديهم من سائر أنواع المال. وأما في الزكوات فإنها خاصة بالعين والمواشي والثمار والحبوب بشروطها التي هي النصاب والحول في العين والحصاد في الحبوب والتمر بلوغ خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعا والصاع أربعة أمداد.
(٢) هذه الآية وإن نزلت في الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فإنها عامة في الأمة فعلى ولاة أمور المسلمين أن يجبوا الزكوات ويأخذوها من الأمة فريضة الله تعالى على المسلمين للقيام بمصالح المسلمين ، والذين قدّموا أموالهم كلها أخذ منها الرسول صلىاللهعليهوسلم الثلث ، وردّ عليهم الباقي. فقال مالك من تصدق بجميع ماله يجزئه منه الثلث أخذا من هذه الحادثة.
(٣) معناه أنه إذا دعا لهم سكنت قلوبهم وفرحوا ، واختلف هل هذه الصلاة على المتصدق باقية أو انتهت بوفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. والصحيح أنها باقية. فمن أخذ صدقة متصدق يصلي عليه اقتداء برسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(٤) أخرج مسلم : (لا يتصدق أحد بصدقة من كسب طيب إلا أخذها الله بيمينه فتربو في كفّ الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل).
(٥) روى أبو داود وأحمد أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيرا استبشروا به وان كان غير ذلك قالوا : اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا).