والآخرة جائزة عقلا ، واختلفوا في جوازها سمعا في الدنيا ؛ فأثبته قوم ونفاه آخرون» (١).
وهل يجوز أن يرى في المنام؟ فقيل : لا ، وقيل : نعم ، والحق أنه لا مانع من هذه الرؤيا وإن لم تكن رؤيا حقيقة (٢).
ولا خلاف عندنا أنه تعالى يرى ذاته المقدسة.
والمعتزلة حكموا بامتناع رؤيته عقلا لذي الحواس ، واختلفوا في رؤيته لذاته.
وأما المقام الثالث :
فقد أطبق أهل السنة على وقوع الرؤية في الآخرة ، واختلفوا في وقوعها في الدنيا.
ومقصود المصنف ـ كحجة الإسلام ـ في هذا المقام الاستدلال على وقوعها في الآخرة ، فقدّما الاستدلال عليه بالنقل أيضا (٣) ، ثم استدلا بالنقل على الجواز على أنه يلزم من ثبوت الوقوع في الآخرة بدليله ثبوت الجواز ، ثم استدلا بالعقل على الجواز.
(أما) الحكم بالوقوع في الآخرة (نقلا) أي : من جهة النقل (فلقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) (٢٢)) أي : ذات نضرة ؛ وهي تهلّل الوجه وبهاؤه ((إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٣) (سورة القيامة : ٢٣) تراه مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه. فتقديم المعمول على هذا للحصر ادعاء ، ويصح كونه لمجرد الاهتمام ورعاية الفاصلة دون الحصر ، ويكون المعنى : مكرمة بالنظر إلى ربها.
(وقوله صلىاللهعليهوسلم : «هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر ليس بينكم وبينه سحاب؟ كذلك ترون ربّكم» (٤)) والحديث في الصحيحين بألفاظ منها :
__________________
(١) انظر : غاية المرام في علم الكلام ، ص ١٥٩.
(٢) في جواز رؤية الله في المنام خلاف مشهور مبني على أن الرؤية المنامية لا تكون بالحاسة البصرية وإنما هي تمثّلات خيالية وتصورات مثالية ، مستندة إلى عالم الشهود والمعاينة ، فهي ليست حقيقة ، إلا أن البعض قال إن النبي صلىاللهعليهوسلم رأى ربه بفؤاده ، وفي رؤية الله في الدنيا اتفاق على أنه لا يجوز لغير النبي صلىاللهعليهوسلم ، أما للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فاختلف في ذلك على أساس حديث المعراج ، والصحيح أنه لم يره بعينه. انظر : شرح الفقه الأكبر ، ص ١٨٤.
(٣) ليست في (ط).
(٤) ورد في هذا المعنى وليس بلفظه عند البخاري في مواقيت الصلاة فضل صلاة العصر برقم : (٥٢٩) ، ومسلم برقم (٦٣٣) ، وأبو داود (٤٧٢٩ ـ ٤٧٣٠) ، والترمذي (٢٥٥٤ ـ ٢٥٥٧).