أن يتواتر أو ينقل آحادا ، والآحاد إن كان نصا لا يحتمل التأويل قطعنا بافتراء ناقله أو سهوه أو غلطه ، وإن كان ظاهرا فظاهره غير مراد.
وإن كان متواترا فلا يتصور أن يكون نصا لا يحتمل التأويل ، بل لا بدّ وأن يكون ظاهرا ، وحينئذ نقول : الاحتمال الذي ينفيه العقل ليس مرادا منه ، ثم إن بقي بعد انتفائه احتمال واحد تعين أنه المراد بحكم الحال ، وإن بقي احتمالان فصاعدا فلا يخلو ؛ إما أن يدل قاطع على واحد منهما أو لا ، فإن دل حمل عليه ، وإن لم يدل قاطع على التعيين فهل يعيّن بالنظر والاجتهاد دفعا للخبط عن العقائد أو لا خشية الإلحاد في الأسماء والصفات؟
الأول مذهب الخلف ، والثاني مذهب السلف ، وسيأتي أمثلة للتنزيل عليهما.
وأما الأجوبة التفصيلية فقد أجيب عن آية الاستواء بأنا نؤمن بأنه تعالى استوى على العرش (مع الحكم بأنه ليس كاستواء الأجسام على الأجسام من التمكن والمماسة والمحاذاة) لها لقيام البراهين القطعية على استحالة ذلك في حقه تعالى ، (بل) نؤمن بأن الاستواء ثابت له تعالى (بمعنى يليق به ، هو سبحانه أعلم به) كما جرى عليه السلف رضوان الله تعالى عليهم في المتشابه ، من التنزيه عما لا يليق بجلال الله تعالى مع تفويض علم معناه إليه سبحانه.
(وحاصله) أي : حاصل ما سبق (وجوب الايمان بأنه) تعالى (استوى على العرش مع نفي التشبيه ، فأما كون المراد أنه) أي : الاستواء (استيلاؤه على العرش) كما جرى عليه بعض الخلف ، واقتصر عليه حجة الاسلام في هذا الأصل (فأمر جائز الإرادة) يجوز أن يكون مراد الآية ، ولا يتعين كونه المراد ، خلافا لما دل عليه كلام حجة الاسلام من تعينه (١) (إذ لا دليل على إرادته عينا ، فالواجب عينا ما ذكرنا) من الإيمان به مع نفي التشبيه.
(وإذا خيف على العامة) لقصور أفهامهم (عدم فهم الاستواء إذا لم يكن بمعنى الاستيلاء إلا باتصال ونحوه من لوازم الجسمية) كالمحاذاة (وأن لا ينفوه) أي : لا ينفوا ما ذكر من لوازم الجسمية (فلا بأس بصرف فهمهم إلى الاستيلاء)
__________________
(١) انظر : الرسالة القدسية ضمن إحياء علوم الدين ، ١ / ١٥٩.