وأما العلم : فالمصنف تابع لحجة الإسلام أيضا في التعبير به ، لكن كلامه فيما بعد يدل على الاكتفاء هنا بعلم المقلد في الفروع وأصول الفقه ، وليس ذلك مراد حجة الإسلام ، وإنما مراده علم المجتهد ، كما يدل عليه كلامه في الفقهيات ، وفي كتاب «الاقتصاد» (١) ، وسيأتي توجيهه.
وأما الكفاءة : فالاحتراز بها عن العجز ، (والظاهر أنها أعم من الشجاعة ، إذ) المراد بها القدرة على القيام بأمور الإمامة ، فلذلك (تنتظم) أي : تتناول (كونه ذا رأي) بأن يكون له بصارة بتدبير الحرب والسلم وترتيب الجيوش وحفظ الثغور.
(و) ذا (شجاعة) أي : قوة قلب (كي لا يجبن عن الاقتصاص) من الجناة (وإقامة الحدود) على الزناة والسراق ونحوهم ، (و) لا عن (الحروب الواجبة) وجوب عين أو وجوب كفاية ، (وتجهيز الجيوش) للقاء العدو ، (وهذا) الشرط يعني الشجاعة (مما شرط الجمهور).
(ونسب قريش) هو الشرط الخامس (أي) يشترط (كونه من أولاد النضر بن كنانة) ، لأن النضر جامع أنساب قريش ، إليه تنتهي (خلافا لكثير من المعتزلة) في قولهم بعدم اشتراطه.
لنا : قوله صلىاللهعليهوسلم : «الأئمة من قريش» رواه النسائي وقدمنا تخريجه (٢) ، وقوله صلىاللهعليهوسلم : «الناس تبع لقريش» أخرجه الشيخان (٣) ، وفي البخاري من حديث معاوية : «إن هذا الأمر في قريش» (٤).
وتمسك المانعون لاشتراطه بقوله صلىاللهعليهوسلم فيما رواه البخاري : «اسمع وأطع وإن عبدا حبشيا كأن رأسه زبيبة» (٥).
وأجيب : بحمله على من ينصبه الإمام أميرا على سرية أو غيرها ، دفعا
__________________
(١) انظر : الاقتصاد في الاعتقاد ، ص ٢٥٩ ، ويبدو أن الشارح قد وهم هنا ، لأن الغزالي يكتفي بعلم المقلد (المستفتي من غيره ـ هذه عبارته) ، ويبرر ذلك التسامح ؛ كون اشتراط صفة العلم بمعنى الاجتهاد يبطل عقد الإمامة في عصور كثيرة ، ويعرض إلى الفتن والاضطراب.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) أخرجه البخاري في المناقب ، باب : وما ينهى عن دعوى الجاهلية ، رقم ٣٣٠٥ ، وأخرجه مسلم في الإمارة برقم ١٨١٨.
(٤) أخرجه البخاري في المناقب ، باب مناقب قريش ، برقم ٣٣٠٩ ، وأخرجه برقم ٦٧٢٠.
(٥) أخرجه البخاري في الجماعة والإمامة ، برقم ٦٦١ و ٦٦٤ ، وأخرجه برقم ٦٧٢٣ ، عن أنس بن مالك.