عالم ببعض المسائل التي يفرّعها الفقهاء والمتكلمون) لا مطلقا ، ولكن المسائل (التي لا يخلّ عدم العلم بها بمعرفة التوحيد ، و) يجوز (كونهم) أي : الأنبياء (غير عالمين بلغات كل من بعثوا إليهم إلا لغة قومهم ، وجميع) عطف على «لغات» أي : يجوز عقلا كونهم غير عالمين بجميع (مصالح أمور الدنيا ومفاسدها ، و) جميع (الحرف والصنائع. (١) اه) كلام القاضي أبي بكر.
(ولا شك أن المراد) أي : مراده مما ذكره (عدم علم بعض المسائل لعدم الخطور) أي : خطور تلك المسائل ببالهم ، (فأما إذا خطرت) لهم (فلا بد من علمهم بها) أي : بأحكامها (وإصابتهم فيها إن اجتهدوا) بناء على الراجح أن للأنبياء أن يجتهدوا مطلقا ، وعليه الأكثر ، أو بعد انتظار الوحي وعليه الحنفية ، واختاره المصنف في «التحرير» (٢) ، فإذا اجتهدوا فلا بد من إصابتهم (ابتداء أو انتهاء) لأن من قال : كل مجتهد مصيب ، أو منع الخطأ في اجتهاد الأنبياء خاصة فهم مصيبون عنده ابتداء ، ومن جوّز الخطأ في اجتهادهم قال : لا يقرّون عليه بل ينبّهون ، فهم مصيبون عنده إما ابتداء حيث لم يتقدم خطأ ، وإما انتهاء حيث نبّهوا على الصواب فرجعوا إليه.
(وكذا علم المغيبات) أي : وكعدم علم بعض المسائل عدم علم المغيبات ، فلا يعلم النبي منها (إلا ما أعلمه الله تعالى به أحيانا وذكر الحنفية) في فروعهم (تصريحا بالتكفير باعتقاد أن النبي يعلم الغيب لمعارضة قوله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) (سورة النمل : ٦٥)). والله أعلم.
__________________
(١) قارن مع المواقف بتحقيق عميرة ، ٣ / ٤١٥. حيث نقل عن القاضي الباقلاني جواز السهو عن الأنبياء.
(٢) انظر : التحرير في أصول الفقه ، ص ٥٢٥.