فإن قيل : ليس تخصيص العذاب في الآية بعذاب الدنيا خلاف مقتضى الإطلاق بلا موجب (بل) هو خلاف له (بموجب) أي : بسبب موجب (عقلي وهو أن أول الواجبات كالنظر) المؤدي إلى الإيمان بوجود الباري تعالى ووحدانيته (لو لم يكن عقليا لزم إفحام الأنبياء) كما سيأتي بيانه ، (وإذا وجب) النظر المؤدي إلى الإيمان (عقلا) وإن لم يرد الشرع (وجب الإيمان عقلا ؛ لأن العلم بوجوبه لازم للنظر الصحيح) المؤدي إليه الذي هو أول واجب ، ويلزم من وجود الملزوم وجود اللازم. أما الملازمة الثانية فلأن وجوب الوسيلة عقلا من حيث هي وسيلة يقتضي وجوب المقصود كذلك ، (وأما الملازمة) الأولى (فلأنه لو لم يجب) النظر (إلا بالشرع ، فقال المكلف :) للنبي إذا دعاه إلى النظر في معجزته ليعلم صدقه (لا يجب عليّ النظر بالعقل ، و) أما (الشرع) فإنه (لا يثبت في حقي إلا بالنظر) المؤدي إلى علمي بثبوته (و) أنا (لا أنظر) لأعلم ثبوت الشرع في حقي (لزم إفحامهم) أي : الأنبياء.
(قلنا : هذا) القول المفروض صدوره من المكلف لنبيه ساقط عن الاعتبار ، إذ ليس مثله مما يصدر عن عاقل ، فلا يكون عذرا لقائله في ترك النظر ، فإنه (كقول قائل لواقف :) بمكان قصد إرشاده إلى النجاة (وراءك سبع) ضار (فإن لم تنزعج عن مكانك قتلك ، وإن نظرت وراءك عرفت صدق قولي ، فيقول) له ذلك (الواقف : لا يثبت صدقك ما لم ألتفت و) أنظر ، و (لا ألتفت ولا أنظر ما لم يثبت صدقك ، فيدل هذا على حماقة هذا القائل وتهدفه) أي : نصبه نفسه هدفا (للهلاك ، ولا ضرر فيه على المرشد ، فكذلك النبي يقول :) لمن بعث إليهم ما معناه (وراءكم الموت ودونه النيران) المهولة (إن لم تصدقوني بالالتفات) أي : بسبب الالتفات (إلى معجزاتي ،) فإن إعراضكم عن قبول ما جئت به أو تكذيبكم إياي موجب للهلاك الأبدي وهو الخلود في العذاب الأليم ، (فمن التفت) منكم بأن نظر في معجزاتي (عرف صدقي ، ومن لا) أي : ومن لم يلتفت بالنظر فيها (هلك ، فالشرع يحذر عن) عذاب (النار ، والعقل يفيد فهم الخطاب ، فيجوّز) أعني العقل صدق (ما يقول) النبي قبل النظر في المعجزة ، (والطبع يستحث على الحذر من الضرر) وذلك يحمل العاقل على النظر لا محالة ، فيمتنع تخلف النظر في عادة العقلاء ، فيكون مجرد تجويز العقل ما يقول النبي مع استحثاث الطبع على الحذر من الضرر ملزوما عقليا ، أي : يحكم العقل بأنه ملزوم للنظر فلا