يحب الكفر ويرضاه كفرا معاقبا عليه» (١). انتهت. وهي ظاهرة في ترادف الإرادة والمحبة والرضا (وهذا) الذي قاله إمام الحرمين (خلاف كلمة أكثر أهل السنة) لتصريحهم بأن الكفر مراد له وأنه لا يحبه ولا يرضاه ، وأن المشيئة والإرادة غير المحبة والرضا ، وأن الرضا ترك الاعتراض ، والمحبة إرادة خاصة ، كما بينّاه آنفا ، وبعض أهل السنة مشى على أن كلّا منهما إرادة خاصة ، وفسر الرضا بأنه الإرادة مع ترك الاعتراض.
(وهو) أي : ما قاله إمام الحرمين ونقله بعضهم عن الأشعري (وإن كان) لو قال به أهل السنة (لا يلزمهم به) أي : بسبب القول به (ضرر في الاعتقاد ، إذ كان مناط العقاب) أي : المعنى الذي علق به العقاب ورتب عليه هو (مخالفة النهي ، وإن كان متعلقه) أي : متعلق النهي (محبوبا كما يتضح لك ؛) فيما بعد من هذا الأصل (لكنه) أي : لكن ما قاله إمام الحرمين ونقله بعضهم عن الأشعري (خلاف النصوص التي سمعت) في كتاب الله (من قوله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) (سورة الزمر : ٧)) وقوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) (سورة آل عمران : ٣٢) ومثله) أي : مثل لفظ الكافرين في هذا التركيب من المشتق الذي علق به الحكم إثباتا كان أو نفيا (يتعلق ما علق به) من الحكم ، الذي هو في الآية نفي المحبة (بمبدإ الاشتقاق) أي : المصدر ، (وهو) هنا (الكفر ،) فيكون المعنى : لا يحب كفرهم. وقوله : ((وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) (سورة البقرة : ٢٠٥) وغير ذلك) من النصوص كقوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (سورة المائدة : ٦٤) ، وقوله تعالى : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (سورة الأعراف : ٥٥) ، والحكم في مثلهما يتعلق بمبدإ الاشتقاق على ما مر.
وقد نبه المصنف على أمر زائد على كلام إمام الحرمين والأكثر ، وهو الفرق بين المشيئة والإرادة عند أبي حنيفة فقال : (ونقل عن أبي حنيفة رحمهالله ما يدل على جعل الإرادة) عنده (من جنس الرضا والمحبة ، لا) من جنس (المشيئة) لدخول معنى الطلب عنده في مفهوم الإرادة دون مفهوم المشيئة ، (روي عنه) أن (من قال) لامراته : (شئت طلاقك ونواه) أي : نوى طلاقها بهذا اللفظ (طلقت ، ولو قال : أردته أو أحببته أو رضيته) أي : أردت طلاقك أو أحببت طلاقك أو رضيت طلاقك (ونواه) أي : طلاقها في كل من
__________________
(١) الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد ، ص ٢٣٩.