واحد ؛ لأن التقدير في الموصولة : وخلق العمل الذي تعملونه ، أو الشيء الذي تعملونه.
ودعوى عموم الآية للأعيان ممنوعة ؛ لأن الأعيان ليست معمولة للعباد ، بمعنى إيجادهم ذواتها ، وإنما هي معمول فيها النحت والتصوير وغيرهما من الأعمال ، وإطلاق قول القائل : عملت الحجر صنما مجاز ، والمعنى الحقيقي هو أنه حوّله بالنحت والتصوير إلى صورة الصنم ، فلا يتأتى شمول «ما» للأعيان بناء على أنها موصول اسمي ، إلا على القول باستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه.
(و) الدليل (من العقل) على أنه سبحانه الخالق لكل حادث (أنّ قدرته تعالى صالحة للكلّ) أي : لخلق كل حادث (لا قصور لها عن شيء منه) لأن المقتضى للقادرية هو الذات ، لوجوب استناد صفاته تعالى إلى ذاته ، والمصحّح للمقدورية هو الإمكان ؛ لأن الوجوب والامتناع الذاتيين يحيلان المقدورية ، ونسبة الذات إلى جميع الممكنات في اقتضاء القادرية على السواء ، فإذا ثبت قدرته على بعضها ثبت قدرته على كلها ، وإلا لزم التحكّم (١) (فوجب إضافتها) أي : إضافة الحوادث كلها (إليه) سبحانه (بالخلق) أي : إضافة خلقها إليه لما مر أنه لا خالق سواه.
وهذا الاستدلال مبني على ما ذهب إليه أهل الحق من أن المعدوم ليس بشيء (٢) ، وإنما هو نفي محض ، لا امتياز فيه أصلا ، ولا تخصيص قطعا ، فلا يتصوّر اختلاف في نسبة الذات إلى المعدومات بوجه من الوجوه ، خلافا للمعتزلة ، ومن أن المعدوم لا مادة له ولا صورة خلافا للحكماء (٣) ، وإلا لم يمتنع اختصاص بعض الممكنات دون بعض بمقدوريته تعالى كما يقوله الخصم :
__________________
(١) التحكم دون دليل ، وهو المصادرة وتعرف بأنها جعل نتيجة الدليل نفس مقدمة من مقدمتيه مع تغيير في اللفظ ، يوهم فيه المستدل التغاير بينهما في المعنى ، انظر : ضوابط المعرفة ، لحبنكة ، ص ٤٥١.
(٢) قال الجويني : ما صار إليه أهل الحق أن حقيقة الشيء : الموجود. كل شيء موجود ، وكل موجود شيء ، وما لا يوصف بالوجود لا يوصف بكونه شيئا ... والمعدوم منتف من كل الوجوه. (الشامل في أصول الدين ، للجويني ص ١٢٤).
(٣) المعدوم لا مادة له ولا صورة ، وهو معنى قول الجويني منتف من كل الوجوه ، سواء الجوهرية أو العرضية ، فلا شكل له بناء على أنه ليس بشيء وغير موجود.