تنافي هذا الإنكار ، إذ لا طباق بين إنكار عبادة ما ينحتون وبين خلق عملهم.
وحاصل الجواب : المعارضة ببيان حصول الطباق (١) مع المصدرية ، إذ المعنى عليها : أتعبدون منحوتا تصيّرونه بعملكم صنما ، والحال أن الله تعالى خلقكم وخلق عملكم الذي به يصير المنحوت صنما ، فقد ظهر الطباق.
(وحينئذ) أي : حين إذ جعلت مصدرية (الاستدلال بها) أي : الآية (ظاهر) للتصريح بأن العمل هو الفعل مخلوق.
(أو هو) أي : لفظ «ما» (موصول اسميّ) يحتاج إلى عائد ، ويكون التقدير :
وخلق الذي تعملونه ، فحذف العائد المنصوب بالفعل ، والموصول الاسمي من أدوات العموم (فيشمل) في الآية (نفس الأحجار) المنحوتة ، (والأفعال) طاعات كانت أو معاصي ، (وأعني) بالفعل هنا (الحاصل بالمصدر) لأنّا إذا قلنا : أفعال العباد مخلوقة لله تعالى لم نرد بالفعل المعنى المصدري الذي هو الإيجاد والإيقاع ، لما سيأتي من أنه أمر اعتباري لا وجود له في الخارج ، فلا يتعلق به الخلق ، بل نريد الحاصل بالمصدر ، وهو متعلق الإيجاد والإيقاع ، أي : ما نشاهد من الحركات والسكنات مثلا ، والفعل بهذا المعنى هو متعلّق التكليف (٢) ؛ كالصوم والأكل والشرب والصلاة ، إذ هي عبارة عن قيام وقعود وركوع وسجود وتلاوة وذكر ، (وأهل العربية يقولون للمصدر المفعول المطلق ؛ لأنه هو المفعول بالحقيقة ؛ لأنه الذي يوجده الفاعل ويفعله ، وهو بناء على إرادة الحاصل بالمصدر ؛ لأن الأمر الاعتباريّ) وهو الفعل بمعنى الإيجاد والإيقاع (لا وجود له ، فلا يتعلق به الخلق ، فوجب إجراؤها) أي : الآية (على عمومها) للأحجار المنحوتة والأفعال ، والله ولي التوفيق.
هذا تقرير كلام المصنف ، والتحقيق : أن عملهم بمعنى الأثر الحاصل بالمصدر هو معمولهم ، ومعنى الموصولة وصلتها كذلك ، فمآل المعنى فيهما
__________________
(١) الطباق : هو الجمع بين الشيء وضده في الكلام ، وهو نوعان :
١ ـ طباق الإيجاب : وهو ما لم يختلف فيه الضدان إيجابا وسلبا.
٢ ـ طباق السلب : وهو ما اختلف فيه الضدان إيجابا وسلبا.
(٢) متعلق التكليف هو المسمّى وليس الاسم على رغم الخلاف المعروف في علم الكلام : هل الاسم هو المسمى أو صفة توجد به أو قول غير المسمى ؛ والمذهب الراجح أن الاسم هو صفة متعلقة به وأنه غير التسمية ؛ كما أشار إلى ذلك الباقلاني في كتابه تمهيد الأوائل ، ص ٢٥٨. فعلى هذا : الأفعال التكليفية هي مسمياتها الحاصلة بالمصدر ؛ أي : متعلّقاتها.