لشخص معين. ودليل
إمكانها وجودها ، ودليل وجودها وجود معارف في العالم لا يتصور أن تنال بالعقل
كعلمي الطب والنجوم ؛ فإن من بحث عنها علم بالضرورة أنها لا تدرك إلا بإلهام إلهي
وتوفيق من جهة الله تعالى ، ولا سبيل إليها بالتجربة ؛ فمن الأحكام النجومية ما لا
يقع إلا في كل ألف سنة مرة ، فكيف ينال ذلك بالتجربة؟ وكذلك خواص الأدوية. فتبين
بهذا البرهان أن الإمكان وجود طريق لإدراك هذه الأمور التي لا يدركها العقل ؛ وهو
المراد بالنبوة ، لا أن النبوة عبارة عنها فقط ، بل إدراك هذا الجنس الخارج عن
مدركات العقل إحدى خواص النبوة ، ولها خواص كثيرة سواها ؛ وما ذكرناه قطرة من
بحرها ، وإنما ذكرناها لأن معك أنموذجا منها وهو مدركاتك في النوم ، ومعك علوم من
جنسها في الطب والنجوم ، وهي معجزات الأنبياء ولا سبيل إليها للعقلاء ببضاعة العقل
أصلا.
وأما ما عدا من
خواص النبوة إنما يدرك بالذوق من سلوك طريق التصوف ؛ لأن هذا إنما فهمته بأنموذج
رزقته وهو النوم ، ولولاه لما صدقت به. فإن كان للنبي خاصة ليس لك منها أنموذج فلا
تفهمها أصلا ، فكيف تصدق بها؟ وإنما التصديق بعد الفهم ؛ وذلك الأنموذج يحصل في
أوائل طريق التصوف ، فيحصل به نوع من الذوق بالقدر الحاصل ، ونوع من التصديق بما
لم يحصل بالقياس إليه. هذه الخاصية الواحدة تكفيك للإيمان بأصل النبوة.
فإن وقع لك الشك
في شخص معين أنه نبي أم لا ، فلا يحصل اليقين إلا بمعرفة أحواله ، إما بالمشاهدة
أو بالتواتر والتسامع ، فإنك إذا عرفت الطب والفقه يمكنك أن تعرف الفقهاء والأطباء
بمشاهدة أحوالهم وسماع أقوالهم وإن لم تشاهدهم ، ولا تعجز أيضا عن معرفة كون
الشافعي رحمهالله فقيها ، وكون جالينوس طبيبا ، معرفة بالحقيقة لا بالتقليد
عن الغير ، بل بأن تتعلم شيئا من الفقه والطب وتطالع كتبهما وتصانيفهما ، فيحصل لك
علم ضروري بحالهما. فكذلك إذا فهمت معنى النبوة فأكثرت النظر في القرآن والأخبار
يحصل لك العلم الضروري بكونه صلىاللهعليهوسلم على أعلى درجات النبوة ، وعضد ذلك بتجربة ما قاله في
العبادات وتأثيرها في تصفية القلوب ، وكيف صدق في قوله : " من عمل بما علم
ورّثه الله علم ما لم يعلم" وكيف صدق في قوله : " من أعان ظالما سلّطه
الله عليه" وكيف صدق في قوله : " من أصبح وهمومه همّ واحد كفاه الله
تعالى هموم الدّنيا والآخرة" فإذا جربت ذلك في ألف وألفين وآلاف حصل لك علم
ضروري لا تتمارى فيه.
فمن هذا الطريق
اطلب اليقين بالنبوة ، لا من قلب العصا ثعبانا وشق القمر ، فإن ذلك إذا نظرت إليه
وحده ولم تنضم إليه القرائن الكثيرة الخارجة عن الحصر ، ربما ظننت أنه سحر وتخييل
، وأنه من الله إضلال فإنه (يُضِلُّ
مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [فاطر : ٨].
وترد عليه أسئلة
المعجزات ، فإن كان مستندا إيمانك إلى كلام منظوم في وجه دلالة المعجزة ، فينجزم
إيمانك بكلام مرتب في وجه الإشكال والشبهة عليها ؛ فليكن مثل هذه الخوارق إحدى
الدلائل والقرائن في جملة نظرك ، حتى يحصل لك علم ضروري لا يمكنك ذكر مستنده على