ثم ألقى الشيطان في وساوس المبتدعة أمورا مخالفة للسنة ، فلهجوا بها وكادوا يشوشون عقيدة الحق على أهلها ، فأنشأ الله تعالى طائفة المتكلمين ، وحرك دواعيهم لنصرة السنة بكلام مرتب ، يكشف عن تلبيسات هل البدعة المحدثة على خلاف السنة المأثورة ؛ فمنه نشأ علم الكلام وأهله. فلقد قام طائفة منهم بما ندبهم الله تعالى إليه ، فأحسنوا الذب عن السنة ، والنضال عن العقيدة المتلقاة بالقبول من النبوة والتغيير في وجه ما أحدث البدعة ؛ ولكنهم اعتمدوا في ذلك على مقدمات تسلموها من خصومهم ، واضطرهم إلى تسليمها إما التقليد ، أو إجماع الأمة ، أو مجرد القبول من القرآن والأخبار. وكان أكثر خوضهم في استخراج مناقضات الخصوم ، ومؤاخذتهم بلوازم مسلماتهم ، وهذا قليل النفع في جنب من لا يسلم سوى الضروريات شيئا أصلا ؛ فلم يكن الكلام في حقي كافيا ، ولا لدائي الذي كنت أشكوه شافيا. نعم ، لما نشأت صنعة الكلام وكثر الخوض فيه وطالت المدة ، تشوف المتكلمون إلى مجاوزة الذبّ عن السنة بالبحث عن حقائق الأمور ، وخاضوا في البحث عن الجواهر والأعراض وأحكامها ؛ ولكن لما لم يكن ذلك مقصود علمهم ، لم يبلغ كلامهم فيه الغاية القصوى ، فلم يحصل منه ما يمحو بالكلية ظلمات الحيرة في اختلافات الخلق ؛ ولا أبعد أن يكون قد حصل ذلك لغيري! بل لست أشك في حصول ذلك لطائفة ولكن حصولا مشوبا بالتقليد في بعض الأمور التي ليست من الأوليات. والغرض الآن حكاية حالي ، لا الإنكار على من استشفى به ، فإن أدويته الشفاء تختلف باختلاف الداء ، وكم من دواء ينتفع به مريض ويستضر به آخر!.
٢ ـ الفلسفة
ـ محصولها.
ـ المذموم منها وما لا يذم.
ـ وما يكفر به قائله وما لا يكفر به.
ـ وما يبتدع فيه وما لا يبتدع.
ـ وبيان ما سرقه الفلاسفة من كلام أهل الحق.
ـ وبيان ما مزجوه بكلام أهل الحق لترويح باطلهم في درج ذلك.
ـ وكيفية عدم قبول البشر وحصول نفرة النفوس من ذلك الحق الممزوج بالباطل.
ـ وكيفية استخلاص الحق الخالص من الزيف والبهرج من جملة كلامهم.
ثم إني ابتدأت بعد الفراغ من علم الكلام بعلم الفلسفة ، وعلمت يقينا أنه لا يقف على فساد نوع من العلوم ، من لا يقف على منتهى ذلك العلم ، حتى يساوي أعلمهم في أصل العلم ، ثم يزيد