هذا حكم من يظهر لك الصداقة ، فكيف من يجاهرك بالعداوة! قال القاضي ابن معروف رحمهالله تعالى :
فاحذر عدوّك مرّة |
|
واحذر صديقك ألف مرّة |
فلربّما انقلب الصّدي |
|
ق فكان أعرف بالمضرّه |
وكذلك قيل في المعنى :
عدوّك من صديقك مستفاد |
|
فلا تستكثرن من الصّحاب |
فإنّ الدّاء أكثر ما تراه |
|
يكون من الطّعام أو الشّراب |
وكن كما قال هلال بن العلاء الرقي :
لما عفوت ولم أحقد على أحد |
|
أرحت نفسي من همّ العداوات |
إنّي أحيّي عدوّي عند رؤيته |
|
لأدفع الشرّ عني بالتحيات |
وأظهر البشر للإنسان أبغضه |
|
كأنّه قد ملا قلبي مسرّات |
ولست أسلم ممّن لست أعرفه |
|
فكيف أسلم من أهل المودّات |
الناس داء دواء النّاس تركهم |
|
وفي الجفاء لهم قطع الأخوّات |
فسالم النّاس تسلم من غوائلهم |
|
وكن حريصا على كسب المودات |
وخالق النّاس واصبر ما بليت بهم |
|
أصمّ أبكم أعمى ذا تقيات |
وكن أيضا كما قال بعض الحكماء : الق صديقك وعدوك بوجه الرضا من غير مذلة لهما ولا هيبة منهما ، وتوقر من غير كبر ، وتواضع من غير مذلة ، وكن في جميع أمورك في أوسطها. فكلا طرفي قصد الأمور ذميم. كما قيل :
عليك بأوساط الأمور فإنّها |
|
طريق إلى نهج الصّراط قويم |
ولا تك فيها مفرّطا أو مفرطا |
|
فإنّ كلا حال الأمور ذميم |
ولا تنظر في عطفيك ، ولا تكثر الالتفات إلى ورائك ، ولا تقف على الجماعات ، وإذا جلست فلا تستوفز. وتحفظ من تشبيك أصابعك ، والعبث بلحيتك وخاتمك ، وتخليل أسنانك ، وإدخال إصبعك في أنفك ، وكثرة بصاقك وتنخمك وطرد الذباب عن وجهك ، وكثرة التمطي والتثاؤب في وجوه الناس وفي الصلاة وغيرها.
وليكن مجلسك هادثا وحديثك منظوما مرتبا. واصغ إلى الكلام الحسن ممن حدثك من غير إظهار تعجب مفرط ، ولا تسأله إعادته. واسكت عن المضاحك والحكايات ، ولا تحدث عن إعجابك بولدك وشعرك وكلامك وتصنيفك وسائر ما يخصك. ولا تتصنع تصنع المرأة في التزين ، ولا تتبذل تبذل العبد. وتوق كثر الكحل والإسراف في الدهن. ولا تلح في الحاجات ، ولا تشجع أحدا على الظلم.
ولا تعلم أحدا من أهلك وولدك ـ فضلا عن غيرهم. مقدار مالك ، فإنهم إن رأوه قليلا هنت عليهم ، إن رأوه كثيرا لم تبلغ قط رضاهم. واجفهم من غير عنف ، ولن لهم من غير