أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) [الحجرات : ٥]. واقبل نصيحة الخضر عليهالسلام المشار إليها بقوله تعالى : (فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) [الكهف : ٧٠]. ولا تستعجل بالسؤال لأنك تصل إلى وقت يكون هو المبين لك ، ألا ترى إشارة قوله تعالى : (سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) [الأنبياء : ٣٧]. واعلم يقينا أنك إذا لم تسر : لم تصل ولم تر ، قال تعالى : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) [الأنبياء : ٣٧].
يا ولدي ، إذا ذهبت في طريق الله سريعا ترى العجائب.
يا ولدي ، لا بد لك مع العمل من بذل روحك في سبيل الوصول إلى حضرة الحق ، فإن العمل بدون بذل الروح لا يفيد. قال ذو النون المصري رحمة الله تعالى عليه لأحد التلامذة : إن قدرت على بذل الروح فتعال. وإلا فلا تشتغل بترهات الصوفية والقال.
يا ولدي ، أختصر لك النصيحة في ثمانية أشياء : أربعة تركية وأربعة فعلية ، حتى لا يكون علمك يوم القيامة خصما لك وحجة عليك.
أما التركية فأحدها : ترك المناظرة بقدر إمكانك وإقامة الحجة على كل من يذكر مسألة فإن آفات ذلك كثيرة وضرها أكثر من نفعها ، إذ هي منبع كل الأخلاق الذميمة كالرياء والحقد والكبر والعداوة والمباهاة وغيرها ، فإن وقعت بينك وبين غيرك مسألة وأنت تريد بالمناظرة أن ينكشف الحق جاز لك البحث في تلك المسألة بهذه النية ، ولصدق هذه النية علامتان :
إحداهما : ألا تفرق بين أن ينكشف الحق على لسانك أو لسان خصمك بل تحب أن تنكشف الحقيقة على يد خصمك ليكون ذلك أدعى له إلى قبولها ، لأن قبوله من نفسه أقرب إلى قبوله منك.
ثانيهما : أن يكون البحث في الخلوة أحب إليك منه في الملأ. أما إذا قلت لأحد مسألة وأنت تعلم أن الحق بيدك وهو يستهزئ ، فالحذر من أن تقيم الحجة معه واترك الكلام ، فإنه يؤدي إلى الوحشة فلا تكون معه فائدة ، وهاهنا أذكر لك فائدة.
اعلم أن السؤال عن الأشياء المشكلة مثل عرض المريض علته على الطبيب والجواب مثل سعي الطبيب في شفاء هذا المريض فالجهلاء مرضى والعلماء أطباؤهم ، والعالم الناقص لا يليق أن يكون طبيبا لهم ، بل الذي يداوي المرضى هو العالم الكامل لأنه هو الذي يؤمل فيه أن يعرف حقيقة العلة ، وقد يكون المرض شديدا لا يمكن علاجه فمهارة الطبيب تكون في عدم الاشتغال بمداواته ، واعلم أن مرض الجهل أربعة أقسام : ثلاثة لا علاج لها ، وواحد يمكن علاجه.
فالأول : أن يكون السؤال أو الاعتراض ناشئا عن حسد والحسد مرض لا علاج له ، واعلم أنك كلما أجبته بأي جواب تزينه وتوضحه له لا يزيده جوابك إلا حسدا ولا يزيده حسده إلا تكبرا ، فينبغي ألا تشتغل بجوابه وما أحسن قول الشاعر :