ولا شكّ أنّ حسن
التوسّل إنّما يحكم به الأدلّة الأربعة ؛ من الكتاب والسُّنّة والإجماع والعقل ،
بل وعرف العادات في الملوك والسلاطين.
وهل العبادات
والطاعات إلّا القُرُبات والوسائل لنيل المثوبات؟!
أو لا ترى أنّ
لرفع الحاجات إلى الله وسائل واقعية ، من الدعاء والإلحاح ونوافل الصلوات والصدقات
وأنحاء القُرُبات ؛ من الذبائح والتوسّلات.
وذلك لأنّها جرت
عادة الله في الامور مجرى العرف والعادة بتوسّط الأسباب والمسبّبات ، فجعل
للعقاقير دخلاً في الاستشفاء بها وأثراً في عالم الطبيعة ، وهو خالق الطبيعة وجاعل
آثارها فيها.
ولكلّ نفل من
العبادة خواصّ وآثار تزداد لفاعلها آثارها ، وهو تعالى يقدر على إعطائها بدونها ،
مع علمه بحوائج عباده ولطفه الشامل لخلقه ، وجواز قضائها وإنجاحها بعلمه من غير
توسيط تلك الوسائل ، ولو لا ذلك لزم إلغاء كثير من العمومات الآمرة بها ، ولكان
الأمر بها لغواً وعبثاً ، تعالى الله عن ذلك عُلُوّاً كبيراً.
مع أنّ المشهود من
الإجابة بتوسيطها ضروريّ محسوس لا ينكره إلّا مكابر.
ولا يتخلّف
المشروط بها إذا لم يكن محتوماً ، وكان موافقاً لحكمته ومشيّته تعالى ، كما أنّها
ربّما تتخلّف إن بلغت المسمّى المحتوم ، كما قال عليهالسلام : (يا من لا تبدِّل حكمته الوسائل).
ألم تَرَ أنّ
الله قال لمريمٍ
|
|
وهزّي إليك
الجذع تساقطُ الرُّطَبْ
|
فلو شاء أن
تجنيهِ من غير هزِّهِ
|
|
جنتْهُ ولكن كلّ
شيء له سبب
|
فمن شدّة رأفته
تعالى بعباده جعل لهم وسائل بينه وبينهم ؛ ليتشفّعوا للمرتضين منهم بإذنه ،
وللمتّخذين عهد التوحيد والإيمان به بكرمه ورحمته ، كما قال : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) ، أو (مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ
الرَّحْمنِ عَهْداً).