____________________________________
وفي روضة العلماء (١) : الزاني إذا تاب تاب الله عليه ، وصاحب الغيبة إذا تاب لم يتب الله عليه حتى يرضى عنه خصمه ، قلت : ولعل هذا معنى ما ورد الغيبة أشد من الزنا.
وقال الفقيه أبو الليث : قد تكلم الناس في توبة المغتابين هل تجوز من غير أن يستحل من صاحبه؟ قال بعضهم : يجوز ، وقال بعضهم : لا يجوز وهو عندنا على وجهين : إحداهما إن كان ذلك القول قد بلغ إلى الذي اغتابه فتوبته أن يستحلّ منه ، وإن لم يبلغ إليه فليستغفر الله سبحانه ويضمر ألّا يعود إلى مثله.
وفي روضة العلماء : سألت أبا محمد رحمهالله ، فقلت له : إذا تاب صاحب الغيبة قبل وصولها إلى المغتاب عنه هل تنفعه توبة؟ قال : نعم ، فإنه تاب قبل أن يصير الذنب ذنبا أي ذنبا يتعلق به حق العبد ، لأنها إنما تصير ذنبا إذا بلغت إليه ، قلت : فإن بلغت إليه بعد توبته قال : لا تبطل توبته ، بل يغفر الله لهما جميعا المغتاب بالتوبة والمغتاب عنه بما يلحقه من المشقة لأنه كريم ، ولا يجمل من كرمه ردّ توبته بعد قبولها ، بل يعفو عنهما جميعا. انتهى.
ولا يخفى أنه إنما علّق الأمر بالكرم لأنه يحتمل أن يكون قبول توبته بشرط عدم علم المغتاب عنه بغيبته مطلقا ، أما إذا قال بهتانا بأن لم يكن ذلك فيه فإنه يحتاج إلى التوبة في ثلاثة مواضع : أحدها أن يرجع إلى القوم الذين تكلم بالبهتان عندهم فيقول : إني قد ذكرته عندكم بكذا وكذا ، فاعلموا إني كنت كاذبا في ذلك ، والثاني أن يذهب إلى الذي قال عليه البهتان ، ويطلب الرضى عنه حتى يجعل في حلّ منه ، والثالث أن يتوب كما سبق في حقوق الله تعالى ، فليس شيء من العصيان أعظم من البهتان ، ثم هل يكفيه أن يقول اغتبتك فاجعلني في حلّ ، أم لا بدّ أن يبيّن ما اغتاب؟ ففي منسك ابن العجمي في الغيبة لا يعلمه بها إن علم أن إعلامه يثير فتنة ، ويدل عليه أن الإبراء عن الحقوق المجهولة جائز عندنا لكن سبق أنه هل يكفيه حكومة ، أو ديانة ، ثم يستحب لصاحب الغيبة إن يبرأه منها ليخلص أخاه عن المعصية ويفوز هو بعظيم التوبة.
__________________
(١) روضة العلماء : للشيخ أبي علي حسين بن يحيى البخاري الزندويسي الحنفي وقد اختصره محمد الثيروي المعروف بعيشي المتوفّى سنة ١٠١٦ ه.