ولا نقول : إن حسناتنا مقبولة وسيئاتنا مغفورة كقول المرجئة. ولكن نقول : من عمل حسنة بجميع شرائطها خالية عن العيوب المفسدة والمعاني المبطلة ...
____________________________________
وأما قول التفتازاني رحمهالله في شرح العقائد عند قوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) من الصغائر والكبائر مع التوبة ، أو بدونها خلافا للمعتزلة ففيه أن قوله مع التوبة سهو قلم ليس في محله من جهتين حيث خالف الطائفتين لأن المشيئة بدون التوبة محل خلاف للمعتزلة ، وأما معها فلا خلاف في المسألة كما صرّح في شرح المقاصد بأنهم أجمعوا على أن لا عذاب على التائب كما صحّ في حديث التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وكقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) (١). ثم لا نزاع في أن من المعاصي ما جعله الشارع إمارة التكذيب وعلم كونه كذلك بالأدلة الشرعية كالسجود للصنم وإلقاء المصحف في القاذورات والتلفّظ بكلمة الكفر ، ونحو ذلك مما يثبت بالأدلة أنه كفر وبهذا يندفع ما يقال إن الإيمان إذا كان عبارة عن التصديق والإقرار فينبغي أن لا يصبر المقرّ باللسان المصدق بالجانّ كافرا بشيء من أفعال الكفر وألفاظه ما لم يتحقّق منه التكذيب أو الشك ، وأما احتجاج المعتزلة بأن الأمة بعد اتفاقهم على أن مرتكب الكبيرة فاسق ، اختلفوا في أنه مؤمن ، وهو مذهب أهل السّنّة والجماعة ، أو كافر. وهو قول الخوارج ، أو منافق ، وهو قول الحسن البصري رحمهالله ، فأخذنا بالمتفق عليه وتركنا المختلف فيه ، وقلنا : هو فاسق ليس بمؤمن ولا كافر ولا منافق فمدفوع بأن هذا إحداث للقول المخالف لما أجمع عليه السلف من عدم المنزلة بين المنزلتين فيكون باطلا على أن الحسن البصري رحمهالله رجع عنه آخرا كما صرّح به في البداية.
والحاصل أن المعتزلة والخوارج خوارج عمّا انعقد عليه الإجماع فلا اعتداد بهم (ولا نقول إن حسناتنا مقبولة) أي مبرورة (وسيئاتنا مغفورة) أي البتّة (كقول المرجئة) بالهمز والياء (ولكن نقول) أي بل نعتقد المسألة مبينة مفصلة كما أوضحه بقوله : (من عمل حسنة شرائطها) أي بجميع شرائطها كما في نسخة ، أي واقعة بجميع مصححاتها في الابتداء (خالية عن العيوب المفسدة) أي الظاهرية (والمعاني المبطلة) أي الباطنية في الانتهاء كالكفر والعجب والرياء لقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) (٢). وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) (٣) الآية ، وأما قول الشارح وكالأخلاق السيئة وغيرها من المعصية فغير جار على مذهب أهل السّنّة
__________________
(١) الشورى : ٢٥.
(٢) المائدة : ٥.
(٣) البقرة : ٢٦٤.