ولا نقول : إن المؤمن لا تضرّه الذنوب ولا نقول إنه لا يدخل النار ولا نقول : إنه يخلد فيها ، وإن كان فاسقا بعد أن يخرج من الدنيا مؤمنا ، ...
____________________________________
الإفطار قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (١). انتهى. والرخص في الآية الأولى واجبة العمل لقوله عليه الصلاة والسلام : «صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» (٢). ولهذا لو صلى المسافر أربعا يكون مسيئا وأما الرخصة في الآية الثانية غير ظاهرة بحسب الدلالة بل الظاهرية (٣) ذهبوا إلى وجوب ترك الصوم هنالك وقضائه بعد ذلك ، وإنما الرخصة مستفادة من قوله تعالى : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤). ومن الأخبار التي تثبت جواز الإفطار في الأسفار (ولا نقول) أي بحسب الاعتقاد (إن المؤمن لا تضرّه الذنوب) أي ارتكاب المعصية بعد حصول الإيمان والمعرفة (وأنه) أي المؤمن المذنب (لا يدخل النار) كما يقوله المرجئة والملاحدة والإباحية (ولا أنه) أي ولا نقول إن المؤمن المذنب (يخلد فيها وإن كان فاسقا) أي ارتكاب الكبائر جميعها (بعد أن يخرج من الدنيا مؤمنا) أي مقرونا بحسن الخاتمة خلافا لما يقوله المعتزلة ، وذلك لأن صاحب المعصية تحت المشيئة عند أهل السّنّة والجماعة لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٥) من غير توبة وإلا فهو سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويغفر بها الشرك وغيره بمقتضى وعده وإخباره خلافا للمعتزلة حيث يقولون : يجب على الله تعالى عقاب العاصي وثواب المطيع وقبول التوبة وأمثالها.
__________________
(١) البقرة : ١٨٤.
(٢) أخرجه مسلم ٦٨٦ ، وأبو داود ١١٩٩ و ١٢٠٠ ، والترمذي ٣٠٣٤ ، والنسائي ٣ / ١١٦ ـ ١١٧ ، وابن ماجة ١٠٦٥ ، والدارمي ١ / ٣٥٤ ، وأحمد ١ / ٢٥ و ٣٦ ، والبيهقي ٣ / ١٣٤ و ١٤٠ ، والبغوي ١٠٢٤ ، والطبري ١٠٣١٠ ، وصححه ابن خزيمة ٩٤٥ ، وابن حبان ٢٧٣٩ ، والطحاوي في معاني الآثار ١ / ٤١٥ ، والشافعي في «السّنن المأثورة» ١٥ كلهم من حديث عمر بن الخطاب.
(٣) قال ابن حزم في المحلى ٦ / ٥٤٤ ، مسألة ٧٦٢ : ومن سافر في رمضان سفر طاعة ، أو سفر معصية ، أو لا طاعة ، ولا معصية ففرض عليه الفطر إذا تجاوز ميلا أو بلغه ، أو إزاءه وقد بطل صومه حينئذ ، لا قبل ذلك ، ويقضي بعد ذلك في أيام أخر. وله أن يصومه تطوّعا ، أو عن واجب لزمه أو قضاء عن رمضان خال لزمه ، وإن وافق فيه يوم نذره صامه لنذره». ا. ه. وانظر في الرد على هذا الكلام المجموع للنووي ٦ / ٢٨٤ ـ ٢٨٦ ، والمغني لابن قدامة ٣ / ١٠٠ ، وفتح القدير ٢ / ٨٩.
(٤) البقرة : ١٨٤.
(٥) النساء : ٤٨.