فإنّ المتناول للعسل الذي فيه سمّ لم يدركه واستلذّ منه إذا مرض وطال مرضه وتناثر شعره وفلجت أعضاؤه فقدّم إليه مثله وكان في غاية الجوع والشهوة تنفّر منه وكرهه قطعاً ، بل كره مطلق العسل لشبهه به فذوق كلّ ذنب كالعسل وأثره كالسمّ فلا تصحّ التوبة الا بمثل هذا الاعتقاد ، ولعزّته عزّت التوبة وفقد التائبون.
وينبغي له اعتقاد ذلك في كلّ ذنب لم يرتكبه أيضاً كما أنّ المتناول للعسل المزبور يتنفّر من الماء الذي فيه السمّ أيضاً فلا مدخل لخصوصيّة الذنب بل الباعث للسمّية مخالفة الأمر وهو جار في الجميع ، فهذا شرط الندم.
وأمّا القصد المنبعث منه فلابدّ من تعلقه بترك كلّ محظور وأداء كلّ فرض في الحال ويرد فكره فيه إلى أوّل يوم بلغ فيه ويفتّش يوماً فيوماً فينظر إلى ما فرط فيه من الطاعات وقارفه من الذنوب فيطيل الندم والبكاء ويقضي العبادات ويخرج من مظالم العباد ويذيب عن بدنه كلّ لحم نبت من المشتهيات المحرّمة والمشتبهة.
قال أميرالمؤمنين عليهالسلام : « الاستغفار اسم واقع على ستّة معان : أوّلها الندم على ما مضى ، ثمّ العزم على ترك العود إليه أبداً ، وأن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلى الله أملس ليس عليك تبعة ، وأن تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها تؤدّي حقّها ، وأن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد ، وأن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول : أستغفر الله ». (١)
وينبغي أن تكون الطاعة من جنس المعصية كي يتمّ العلاج بالضدّ ، فإنّ البياض يزال بالسواد دون الحرارة والبرودة وإن كان لكلّ من الطاعات نوع
__________________
١ ـ نهج البلاغة : الحمكة ٤١٧ مع اختلاف.