ثم إنّه لا يحصل هذا القسم من الحزن الا بقطع العلاقة عن الدنيا واليقين التامّ بما وعد [ وأوعد ] (١) الله به عباده في الآخرة.
ويتفرّع عليه آثار محمودة كالسعي في تدارك مافات بتحصيل شرائف الصفات والاهتمام في العبادة وأداء الطاعات.
وأما القسم الأول الشائع في كلام القوم فهو مع اشتماله على كراهة التقديرات الالهية متفرّع على الميل إلى مقتضيات الشهوة والغضب والجهل بفنائها وأنّ مالا يفني هو ما خلق لأجله من المعارف الحقيقية والفضائل النفسية ، فلو حصل اليقين بذلك صرفه الاشتغال والسعي في تحصيلها وحفظها عن الهمّ لفوات حطام الدنيا.
وفي أخبار داود : « يا داود! ما لأوليائي والهمّ بالدنيا ، إن لهمّ يذهب حلاوة مناجاتي عن قلوبهم ، إنّ محبّتي من أوليائي أن يكونوا روحانيين لايغتمّون ». (٢)
مع أن الحزن كما قاله بعض الحكماء ليس أمراً طبيعيّاً للنفس ، بل ملكة حادثة من سوء اختيارها ، لأنّ كلّ محزون على فقد شيء يزول حزنه بيسير من الأوقات (٣) ويتبدّل بالسرور ولو كان طبيعياً لكان حاصلاً لكلّ أحد ، إذ لابدّ من فقد محبوب له.
ثم ما أشبه حاله بمن دعي في جماعة إلى دعوة في مجلس مشتمل على صنوف النفائس والشمائم الطيّبة ليتفرّج ألأصناف المدعوّ برؤيتها وينتفعو من روائحها خاصة ، فكان يأخذها كل منهم ساعة للتفرّج والاستشمام ويودعها إلى آخر ، فلو أخذها أحدهم وطمع في تملّكه واغتمّ من أخذ آخر منه نسب إلى الجنون وخفّة العقل ، فالعاقل لايصرف عمره في
__________________
١ ـ ساقط من « ج ».
٢ ـ جامع السعادات : ٣ / ٢١٤ ، الجواهر السنية : ٩٤ نقلاً عن مسكنّ الفؤاد.
٣ ـ في « ج » : الالتفات.