مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٥٥] قالوا : (١) فهذا يوجب كونه في مكان (٢). والجواب أنه يريد به الرفعة والمنزلة العالية ، كما يقال : فلان عندي بالمنزلة الخطيرة ، ولفلان عندي جاه عريض ، وهو عندي بالمنزل الأعلى والدرجة العالية. ويدل على ذلك قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [السجدة : ١٢] ، ولا خلاف بين الأمة أنّ المجرمين لا يكونون عند الله على جهة المكان ، وإنما هو وصف أحوالهم. وكذلك قوله تعالى : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) [الزخرف : ٨٥] فإنه ليس المراد به (٣) أنّ علم الساعة في مكان ، وإنما أراد أنّه عالم به. وكذلك قوله تعالى : (فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [النساء : ١٣٤] ليس يريد به إلا أنّه القادر عليه ، المالك له. ويقال : عند الهادي إلى الحق عليهالسلام في المسألة كذا ، وعند القاسم عليهالسلام فيها كذا. أي مذهبهما (٤). قال الشاعر (٥) :
__________________
(١) في (ب) فقالوا : هذا.
(٢) قال الحاكم الجشمي في هذه الآية كما في منهجه في التفسير للدكتور عدنان زرزور ص ٢٩٢ : أي موضوع قعود صدق ، قيل : مجلس حق لا لغو فيه ، وهو الجنة. وقيل : وصف المكان بالصدق ؛ لكونه يدوم وغيره يزول. ومعنى (عِنْدَ مَلِيكٍ) : أي في علم الله صائرون إلى ذلك الموضع ، كما قال أبو علي. وقيل : ذلك المقعد مقعد صدق عنده ؛ لما هو عليه من دوام النعم. وقال الحاكم : وقد فسرت المشبهة الكاذبة على الله هذه الآية بتفسير لا يشهد له ظاهرها ولا لهم عليه دليل في العقل والشرع ، فذكروا في قوله : (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) : إنهم يحيون مع الجبار ، وأنه يقعدهم معه على سريره ، ويروون أن أهل الجنة يدخلون عليه كل يوم مرتين يقرءون عليه القرآن ثم ينصرفون إلى رحالهم ناعمين .. إلى غير ذلك من الصورة والأعضاء والذهاب والمجيء ، وأنه يحتجب أحيانا ويظهر أحيانا بصورة ملك ، تعالى الله عن ذلك. وقد بينا أنه ليس بجسم وأنه لا يجوز عليه المكان ولا شيء من صفات الأجسام.
(٣) في (ب) بحذف به.
(٤) في (ب) : أي في مذهبهما.
(٥) هو قيس بن الخطيم ، أحد شعراء الجاهلية.