المتضادّة بمنزلة الخلوّ عنها ، والخلوّ عن المتضادّات منشأ الخلاص عن الجحيم والالتحاق بالملائكة ، وهي أحدّ من السيف.
فللصراط المستقيم في الدنيا وجهان : أحدهما أدقّ من الشعر ، والآخر أحدّ من السيف ، وهما مظلمان لا يهتدي إليهما إلّا من جعل الله له نورا يمشي به في الناس.
ولهذا ورد في الخبر (١) : أنّ الصراط يظهر يوم القيامة للأبصار على قدر المارّين عليه ، فيكون دقيقا في حقّ بعض ، وجليلا في حقّ آخرين ، وأنّهم يعطون نورهم على قدر أعمالهم : فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه ، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك ، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه ، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك ، حتّى يكون آخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدمه ، فيضيء مرّة ويطفئ مرّة ؛ فإذا أضاء قدّام قدمه مشى ، وإذا طفى قام.
ويصدّق هذا الخبر قوله تعالى : (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) [٦٦ / ٨] والسعي مشي ، وما ثمّة طريق إلّا الصراط ، وإنّما قال (بِأَيْمانِهِمْ) لأنّ المؤمن في الآخرة لا شمال له ، كما أنّ الكافر لا يمين له. وبالجملة ـ النور ، نور القوّة النظريّة ، وبحسبه يمشي الإنسان طريق الحقّ بقوّته العمليّة ، والانحراف عن الوجه الأوّل يوجب
__________________
(١) ـ يظهر أن المنقول مأخوذ من الأحاديث وليس نص خبر بعينه. وقد ورد ما يقرب منه في المستدرك للحاكم: كتاب الأهوال ، ٤ / ٥٩٠. وحكاه المنذري في الترغيب والترهيب : كتاب البعث ، فصل في الحشر ، ٦ / ١٨٤ ، ح ٥١٦٢ ، عن الحاكم والطبراني وابن أبي الدنيا.