لا يكون إلّا متغيّرا فاسدا محصورا متناهيا غير محيط ، لأنّه إنّما يتعلّق بالشيء في زمان وجوده علم ، وقبل وجوده علم آخر ، وبعد وجوده علم ثالث ـ وهذا كعلوم أكثر الناس ـ.
وإمّا يستفاد من مباديه وأسبابه وغاياته ، علما واحدا كلّيّا بسيطا محيطا على وجه عقليّ غير متغيّر ، فإنّه ما من شيء إلّا وله سبب ، ولسببه سبب ـ وهكذا إلى أن ينتهي إلى مسبّب الأسباب ـ وكلّ ما عرف سببه من حيث يقتضيه ويوجبه ، فلا بدّ وأن يعرف ذلك الشيء علما ضروريّا دائما.
فمن عرف الله ـ سبحانه ـ بأوصافه الكماليّة ونعوته الجلاليّة ، وعرف أنّه مبدأ كلّ وجود وفاعل كلّ فيض وجود ، وعرف ملائكته المقرّبين ثمّ ملائكته المدبّرين المسخّرين للأغراض الكلّيّة العقليّة بالعبادات الدائمة والنسك المستمرّة من غير فتور ولغوب ، الموجبة لأن تترشّح عنها صور الكائنات ـ كلّ ذلك على الترتيب السببي والمسبّبي ـ فيحيط علمه بكلّ الامور وأحوالها ولواحقها ، علما بريئا من التغيّر والشكّ والغلط.
فيعلم من الأوائل الثواني ، ومن الكليّات الجزئيّات المترتّبة عليها ، ومن البسائط المركّبات ، ويعلم حقيقة الإنسان وأحواله وما يكمّلها ويزكّيها ويسعدها ويصعدها إلى عالم القدس ، وما يدسّيها ويرديها ويشقيها ويهويها إلى أسفل السافلين ـ علما ثابتا غير قابل للتغيير ولا محتمل لتطرّق الريب ـ