فصل (١) [١٣]
[سرّ نسبة الفعل إلى الفواعل المختلفة]
ولأجل هذا التطابق بين الجبر والتفويض ، والتوافق بين الوجوب والإمكان ، نسب الله الأفعال في القرآن تارة إلى نفسه ، ومرّة إلى الملائكة ، واخرى إلى العباد. فقال تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) [٣٩ / ٤٢]. وقال : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [٣٢ / ١١].
وقال في نفخ الروح في مريم ـ على نبيّنا وعليهاالسلام ـ : (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) [٦٦ / ١٢] ؛ وقال : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [١٩ / ١٧] ـ وفي الحديث (٢) : «إنّ النافخ فيه جبرئيل»
وقال ـ عزوجل ـ في القتل : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) [٩ / ١٤] ، فأضاف القتل إلى العباد والتعذيب إلى نفسه ، والتعذيب عين القتل هنا ؛ وقال : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) [٨ / ١٧].
وقال في الرمي : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [٨ / ١٧] ، وهو جمع بين النفي والإثبات ظاهرا ، ولكنّ معناه : «وما رميت بالمعنى الذي يكون العبد به راميا ، إذ رميت بالمعنى الذي يكون الربّ به راميا» ، إذ هما معنيان مختلفان.
__________________
(١) ـ مقتبس من إحياء علوم الدين : كتاب التوحيد والتوكل : ٤ / ٣٧٤. وأورده في عين اليقين أيضا ٣٢٢ بألفاظه.
(٢) ـ راجع تفسير القمي : سورة مريم ، ٢ / ٤٨. قصص الأنبياء : الباب الثامن عشر ، ٢٦٤.