يدركها بمشاهدة باطنة ، لا بإحساس ظاهر ؛ وكم بين هذا وبين الاعتقاد المأخوذ من الآباء والمعلّمين تقليدا ، والتصميم عليه ، وإن كان مقرونا بأدلّة جدليّة كلاميّة.
الحظّ الثاني من حظوظهم : استعظامهم ما ينكشف لهم من صفات الجلال على وجه ينبعث من الاستعظام شوقهم إلى الاتّصاف بما يمكنهم من تلك الصفات ، ليقربوا بها من الحقّ قربا بالصفة ـ لا بالمكان ـ فيأخذوا من الاتّصاف بها شبها بالملائكة المقرّبين عند الله ـ تعالى ـ ولن يتصوّر أن يمتلأ القلب باستعظام صفة واستشرافها عليه ، إلّا ويتبعه شوق إلى تلك الصفة ، وعشق لذلك الكمال والجمال ، وحرص على التحلّى بذلك الوصف ، إن كان ذلك ممكنا للمستعظم بكماله ؛ وإن لم يمكن بكماله فينبعث الشوق إلى القدر الممكن منه لا محالة.
ولا يخلو عن هذا الشوق أحد إلّا لأحد أمرين :
إمّا لضعف المعرفة واليقين بكون الوصف المعلوم من أوصاف الجلال والكمال.
وإمّا كون القلب ممتلئا بشوق آخر ، مستغرقا به ؛ فالتلميذ إذا شاهد كمال استاده في العلم ، انبعث شوقه إلى التشبّه به والاقتداء به ، إلّا إذا كان ممنوعا بالجوع ـ مثلا ـ فإنّ استغراق باطنه بشوق القوت ربما منع انبعاث شوق العلم.
ولهذا ينبغي أن يكون الناظر في صفات الله ـ تعالى ـ خاليا بقلبه عن إرادة ما سوى الله ـ عزوجل ـ فإنّ المعرفة بذر الشوق ، ولكن مهما صادف [ت] قلبا خاليا عن حسكة