والشر ليس أليك» (٦١٤). وكذا في حديث الشفاعة يوم القيامة ، حين يقول الله له : يا محمد ، فيقول : «لبيك وسعديك ، والخير في يديك ، والشر ليس إليك» (٦١٥). وقد أخبر الله تعالى أن تسليط الشيطان إنما هو على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ، فلما تولوه دون الله وأشركوا به معه ـ عوقبوا على ذلك بتسليطه عليهم ، وكانت هذه الولاية والإشراك عقوبة خلوّ القلب وفراغه من الإخلاص. فإلهام البر والتقوى ثمرة هذا الإخلاص ونتيجته ، وإلهام الفجور عقوبة على خلوّه من الاخلاص.
فإن قلت : إن كان هذا الترك أمرا وجوديّا عاد السؤال جذعا (٦١٦) ، وإن كان أمرا عدميّا فكيف يعاقب على العدم المحض؟ قيل : ليس هنا ترك هو كفّ النفس ومنعها عما تريده وتحبه ، فهذا قد يقال : إنه أمر وجوديّ ، وإنما هنا عدم وخلو من أسباب الخير ، وهذا العدم هو محض خلوّها مما هو أنفع شيء لها ، والعقوبة على الأمر العدمي هي بفعل السيئات ، لا بالعقوبات التي تناله بعد إقامة الحجة عليه بالرسل. فلله فيه عقوبتان : إحداهما : جعله مذنبا خاطئا ، وهذه عقوبة عدم إخلاصه وإنابته وإقباله على الله ، وهذه العقوبة قد لا يحس بألمها ومضرتها ، لموافقتها شهوته وارادته ، وهي في الحقيقة من أعظم العقوبات. والثانية : العقوبات المؤلمة بعد فعله للسيئات. وقد قرن الله تعالى بين هاتين العقوبتين في قوله تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) الانعام : ٤٤.
__________________
(٦١٤) صحيح وهو طرف من حديث علي في دعاء الاستفتاح ، وهو مخرج في «صفة الصلاة» (ص ٧٣) الطبعة الحادية عشر ، طبع المكتب الاسلامي.
(٦١٥) رواه البزار عن حذيفة موقوفا ورجاله رجال الصحيح ، والطبراني في «الأوسط» عنه مرفوعا ، وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس ، وبقية رجاله ثقات ، كذا في «المجمع» (١٠ / ٣٧٧). وقلت ومن طريق [الليث] أخرجه الحاكم أيضا (٤ / ٥٧٤) وقال : «وقد استشهد بليث بن [ابي] سليم».
(٦١٦) قال عفيفي : انظر ص ٣٢٩ من «مختصر الموصلي للصواعق المرسلة» لابن القيم ط مكة ؛ وص ٣٣١ ج ١٤ من «مجموع الفتاوى».