ثلاثة أنفس : مطمئنة ، ولوّامة ، وأمّارة ، قالوا : وإن منهم من تغلب عليه هذه ، ومنهم من تغلب عليه هذه ، كما قال تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) الفجر : ٢٧. (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) القيامة : ٢. (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) يوسف : ٥٣. والتحقيق : أنها نفس واحدة ، لها صفات ، فهي أمّارة بالسوء ، فإذا عارضها الإيمان صارت لوّامة ، تفعل الذنب ثم تلوم صاحبها ، وتلوم بين الفعل والترك ، فإذا قوي الإيمان صارت مطمئنة. ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من سرّته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن» (٥٢١). مع قوله : «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» (٥٢٢) ، الحديث.
واختلف الناس : هل تموت الروح أم لا؟ فقالت طائفة : تموت ، لأنها نفس ، وكل نفس ذائقة الموت ، وقد قال تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ. وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) الرحمن : ٢٦ ـ ٢٧. وقال تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) القصص : ٨٨. قالوا : وإذا كانت الملائكة تموت ، فالنفوس البشرية أولى بالموت. وقال آخرون : لا تموت الأرواح ، فإنها خلقت للبقاء ، وإنما تموت الأبدان. قالوا : وقد دل على ذلك الأحاديث الدالة على نعيم الأرواح وعذابها بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله في أجسادها. والصواب أن يقال : موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها ، فإن أريد بموتها هذا القدر ، فهي ذائقة الموت ، وإن أريد أنها تعدم وتفنى بالكلية ، فهي لا تموت بهذا الاعتبار ، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقد أخبر سبحانه أن أهل الجنة (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) الدخان : ٥٦ ، وتلك الموتة هي مفارقة الروح للجسد. وأما قول أهل النار : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) المؤمن : ١١ ، وقوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) (٥٢٣) ، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ البقرة : ٢٨ ـ فالمراد : أنهم كانوا أمواتا
__________________
(٥٢١) «الصحيحة» (٥٥٠).
(٥٢٢) متفق عليه ، وقد مضى الحديث (برقم ٣٧٣).
(٥٢٣) قال عفيفي : انظر ص ٢٦٤ من كتاب «الروح».