«أرسلناك» وهي اسم فاعل والتاء فيها للمبالغة ، أي : إلا كافّا للناس عن الباطل ، وقيل : هي مصدر كف ، فهي بمعنى كفّا أي : إلا [أن] تكفّ الناس كفّا ، [و] وقوع المصدر حالا كثير. الثاني : أنها حال من «الناس». واعترض بأن حال المجرور لا يتقدم عليه عند الجمهور ، وأجيب بأنه قد جاء عن العرب كثيرا فوجب قبوله ، وهو اختيار ابن مالك رحمهالله ، أي : وما أرسلناك الا للناس كافة. الثالث : أنها صفة لمصدر محذوف ، أي : رسالة كافة. واعترض بما تقدم أنها لم تستعمل الا حالا.
وقوله : بالحق والهدى وبالنور والضياء. هذه أوصاف ما جاء به رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الدين والشرع المؤيد بالبراهين الباهرة من القرآن وسائر الادلة. والضياء : أكمل من النور ، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) يونس : ٥.
قوله : و (وان القرآن كلام الله ، منه بدا بلا كيفية قولا ، وأنزله على رسوله وحيا ، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا ، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ، ليس بمخلوق ككلام البرية. فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر ، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) المدثر : ٢٥ ـ علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر ، ولا يشبه قول البشر).
ش : هذه قاعدة شريفة ، وأصل كبير من أصول الدين ، ضل فيه طوائف كثيرة من الناس. وهذا الذي حكاه الطحاوي رحمهالله هو الحق الذي دلت عليه الادلة من الكتاب والسنة لمن تدبرهما ، وشهدت به الفطرة السليمة التي لم تغير بالشبهات والشكوك والآراء الباطلة.
وقد افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال :
أحدها : أن كلام الله هو ما يفيض على النفوس من معاني ، إما من العقل الفعال عند بعضهم ، أو من غيره ، وهذا قول الصابئة والمتفلسفة.
وثانيها : أنه مخلوق خلقه الله منفصلا عنه ، وهذا قول المعتزلة.
وثالثها : أنه معنى واحد قائم بذات الله ، هو الامر والنهي والخبر والاستخبار ،