وإني لأظن أن كل
من يسمع هذا القول ، وإن لم يكن على معرفة بلغة العرب وبلاغتها ـ سوف تأخذه الدهشة
، ويملكه العجب ، إذ يسمع أن قائل هذا القول يسوي بين قدرة الله ، وقدرة البشر في
الكلام ، فلا يرى لكلام الله مزيد فضل على كلام الفحول من شعراء الجاهلية.
وسوف تزيد دهشته ،
وتتسع دائرة تعجبه حينما يعلم العارف بلغة العرب وأساليبها أن قائل هذا القول هو
من أكبر أدباء العربية وعلمائها ، ألا وهو الجاحظ ، وأنه ينسب أيضا للنظام وبعض
المعتزلة ، والمرتضى من الشيعة ، وأبي إسحاق الأسفراييني من أهل السنة.
أما نسبته إلى
النظام فإنها قريبة وليست ببعيدة ، لما كان يعرف عن النظام من الكفر والإلحاد والزندقة
، حتى صنف كتاب «نصر التثليث على التوحيد» على ما قاله ابن السبكي.
ولكن العجب من
نسبته إلى المرتضى والأسفراييني ، وإني لعلى شك من صحة هذه النسبة إليهما.
وأما نسبته للجاحظ
فقد قال الإمام أبو مظفر بن السمعاني بعد أن ذكر هذا الكلام عن الإعجاز في القرآن
، قال :
وهذا قول باطل ،
وزعم كاذب. وسمعت والدي ـ رحمهالله ـ يقول : إن هذا قول اخترعه الجاحظ ، ولم يسبقه إليه أحد ،
ومن قاله بعده فإياه اتبع ، وعلى منواله نسج ، وهو في نفسه مستثمج مستهجن.
والتأمل في نظم
القرآن ، وجزالته وفصاحته ، وعرضه على كل نظم عرف من أساليب كلام العرب ، وكل كلام
فصيح عرف من كلامهم ، ثم امتيازه عن الكل ـ بروائه وبهائه ، وطلاوته وحلاوته
وإعراقه وإيناقه ، وإعجازه ـ ظاهر لكل ذي لب من الناس ، لو لا خذلان يلحق بعض
القوم ، ونسأل الله العصمة بمنه ا ه.