قالوا : وأيضا قد أمر وأباح وتهدّد بصيغة واحدة نحو «أقيموا الصلاة فالآن باشروهنّ ، اعملوا ما شئتم» فلو لا أنه مريد لما تناوله الأمر وكاره لما تناوله التّهديد ، وغير مريد ولا كاره لما تناولته الإباحة للزم أن لا يتميز بعض هذه من بعض.
«قلنا : لم ننفها» أي الإرادة «إذ هي» في حق الله تعالى «ما ذكرنا» لاستحالة الإرادة الحقيقيّة التي هي النية والضمير في حقه تعالى كما ذكرنا.
وأما قياسهم له جل وعلا على المخلوق ففاسد.
ثم نقول : الأمارة من قول أو فعل أو غيرهما ترشدنا إلى المراد من قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) ومن الصيغة الصالحة للأمر والتهديد والإباحة ولا يحتاج إلى الضمير ونحوه مما زعموا كما أرشدتنا إلى المراد من خطاب المخلوقين لأنا لا نعلم ما في الصدور.
وأما التقسيم الذي ذكروه في الخبر وفي صفاته على زعمهم فهو مبني على أصل فاسد وهو تأثير المؤثرات غير الفاعل المختار ، وعلى أن الكلام من قبيل الذوات لا من قبيل الصفات وقد مر بطلانه.
وأن الكلام صفة لمن قام به كالألوان وجميع الأعراض على ما مر ذكره والله أعلم.
قالت «العدلية» جميعا : «وللعباد إرادة يحدثونها» لمصالح أنفسهم ويتصرفون بها لمنافعهم ودفع مضارهم بها يستحقون المدح والذم ويجب تقدمها وهي لا توجب المراد ولا تولده كالقدرة.
وقالت «المجبرة : لا» أي ليس للعباد إرادة يحدثونها.
«قلنا : لا ينكرها عاقل» إذ هي معلوم حصولها على حد حصول أفعالهم المرادات فإنكارها إنكار للضرورات.
«وقد» أكد هذه الدلالة السمع حيث «قال الله تعالى : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) (١) فنسب المشيئة وهي الإرادة إلى العبد.
__________________
(١) المزمل (١٩).