تعالى عنه» أي عن تعظيم الملائكة المذكور «كذلك» أي مثل ذلك التعظيم المذكور البالغ من البشر الذي إنما يعقل بالحفوف بها وهي على أسرّتها وهذا من المجاز المركب الذي يسمّى تمثيلا وهو اللفظ المستعمل فيما شبّه بمعناه الأصلي وكان وجه الشبه منتزعا من متعدّد ، «وقوله تعالى (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) (١) معناه أنه يتحمل أمر ملكه» سبحانه «من الحساب وغيره» من أعمال يوم القيامة «ثمانية أصناف من الملائكة» عليهمالسلام ، وعن الضحاك هم ثمانية أصناف لا يعلم عددهم إلّا الله تعالى.
وقال الهادي عليهالسلام في جواب أبي يعقوب (إسحاق بن إبراهيم) : (أما العرش فهو الملك ، وأما يومئذ فهو يوم القيامة ، وأما الثمانية الذين ذكرهم الله فقد يمكن أن يكونوا ثمانية آلاف أو ثمانية أصناف أو ثمانية أملاك والله أعلم وأحكم).
وأما حملهم فهو تأدية ما أمرهم الله تعالى بأدائه إلى من أمرهم (٢) الله إليه من عباده من الكرامة والنعيم والإحسان وفوائد الخير وما يأتيهم من الرحمة والغفران.
«والكرسيّ» المذكور في القرآن «عبارة عن علمه تعالى لأنّ الكرسيّ في أصل اللغة العلم ، ولوحظ» أي ذلك الأصل «في استعمالها» أي فى استعمال اللّغة كما «قال أبو ذؤيب الهذلي : ولا تكرّس علم الغيب مخلوق أي ما تعلّم ، وقال غيره :
تحفّ بهم بيض الوجوه وعصبة |
|
كراسيّ بالأحداث حين تنوب |
أي أهل كراسي أي أهل علوم» أي علماء بتدبير الأحداث وتصريفها حين تنوب ، وذكر هذا البيت في الضياء محتجّا به أنه يقال : للعلماء كراسي ، «ومنه قيل للصحيفة التي فيها العلم كرّاسة».
قال في البلغة : وروي عن جعفر بن محمد عن آبائه رضوان الله عليهم
__________________
(١) الحاقة (١٧).
(٢) (أ) من أمرهم به الله من عباده. (ب) إلى من أمرهم الله من عباده.