وعدل كله ومرضى كله ، لأن قضاءه هو صفته التي قامت به ، فلا يمكن أن يسخط ولا أن يلحقه الذم ، وإنما الكلام في المقضى على العبد الذي هو أثر القضاء والذي هو خلق الله وصنعته فأحيانا يكون مرضيا حين يكون طاعة وإيمانا ، وأحيانا يكون مسخوطا حين يكون كفرا وعصيانا.
والحاصل أنه لا بد من الفرق بين القضاء الذي هو صفة الرب وبين المقضى الذي هو مخلوقه ، كما يجب الفرق بين الفعل والمفعول ، والخلق والمخلوق ونحو ذلك ، فإن الأول صفة الرب التي لا يمكن أن يلحقها نقص أو ذم ، والثاني قد يكون فيه ما يعاب أو يذم ، وبهذا البيان يزول أشكال كبير طالما أورد الناس موارد الهلكة ، حيث لم يهتدوا إلى الفرق بين القضاء والمقضى ، حتى آل أمر كثير منهم إلى استحسان الكفر وسائر المعاصي ، وزعموا أن كل ما قضاه الله فهو محبوب مرضى ، وأن العاصي مطيع لله بتنفيذ قضائه ، كالمطيع له سواء ، وفي ذلك يقول شاعرهم :
أصبحت منفعلا لما يختاره |
|
مني ففعلي كله طاعات |
وكل هذا كان بسبب الخلط بين المعاني وعدم الاهتداء إلى الفرق بينها ، فالأمر الشرعي والكوني عندهم سواء ، والقضاء والمقتضى سواء ، والإرادة الكونية والشرعية سواء ، والخلق والاختيار سواء ، وهدى الله أهل السنة والجماعة إلى الفرق بين هذه المعاني كلها فرضوا بقضاء الله ، ولكنهم سخطوا مقضية من الكفر والمعاصي التي لا يحبها ولا يرضاها. وعلموا أن من وافق حكمه الكوني القدري إن لم يوافق حكمه الشرعي ، فهو موافق لسخطه ، فلا يمكن ان يخلو من استحقاق ذم أو فوات حمد أو حرمان أجر ورضوان. وأما من وافق أمره الديني الشرعي فإن أصاب في اجتهاده فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر ، والله تعالى أعلم.
* * *