حتى بدت في سيره نار على |
|
طور المدينة مطلع الايمان |
فأتى ليقبسها فلم يمكنه مع |
|
تلك القيود منالها بأمان |
الشرح : ينادي المؤلف كل من يتجرد لطلب الحق ويسعى في نيله وتحصيله ويؤثر علم اليقين على القول بالظن والتخمين ، ويريد لنفسه ايمانا صحيحا بعيدا عن شوائب الزيغ والكفران ، فيقول له اسمع لنصيحتي ، فإنها نصيحة مجرب خبر كل ما عند الناس من المذاهب والمقالات وطوف مذ شب عن الطوق على الفرق المختلفة يطلب الطريق الى اللهعزوجل.
ولكن الانسان مهما شد منه العزم فلا بد ان تتخلل عزمه فترات كما في الحديث «ان لكل شيء شرة ولكل شرة فترة» فهذا أمر لازم لنقص الطبيعة الانسانية وضعفها ، والناس كلهم أبناء نقصان ، قال تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً ، وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) [النور : ٢١].
والمؤلف يخبر عن نفسه رحمهالله أنه قد طاف على جميع أرباب المذاهب والمقالات يبتغي لنفسه نورا يهدى قلبه ويبصره طريق النجاة ، ولكنه ما وجد عندهم الا ظلمات فوق ظلمات ، فكأنه ما طاف يبغي نورا ، بل طاف يبغي ظلمة الليل البهيم ، وكلما أوغل في الطلب كلما ازدادت أمامه الظلمات التي قهرت بجيوشها العاتية نور الصبح ، وما زال هكذا يهيم في وادي الظلمات حتى ظهر له في مسيره نار من جهة المدينة المنورة ، كما تراءت لموسى عليهالسلام النار في طور سيناء فيمم نحوها ليقبس منها نورا وهدى يبدد أمامه غياهب الظلمات. فلم يمكنه أن ينالها وهو مقيد بقيود التقليد وأسر العادات.
وهذا الذي يتحدث عنه المؤلف قد حصل لكل من مر بمثل تجربته ممن أوغل في دراسة الكلام وعب مما في وردها الآسن من خرافات وأوهام ، حتى انبلج له صبح الاسلام.
* * *