نرميهم بهذا اللقب ، وهم يرموننا به. وقد حكي عن بعضهم أنه قال : إن المعتزلة كانت تلقبنا بالقدرية ، فقلبناها عليهم ، وقد أعاننا السلطان على ذلك.
والذي يدل على أنهم هم القدرية ، ما ذكره قاضي القضاة في مجلس بعضهم وقد سئل عن هذه المسألة ، وتحريره أن الاسم اسم ذم ، فيجب أن يجري على من له مذهب مذموم في القدر ، وليس ذلك إلا مذهب المجبرة.
ومما يدل على ذلك أيضا ، قول النبي صلىاللهعليهوسلم : القدرية مجوس هذه الأمة فشبه القدرية بالمجوس على وجه لا يشاركهم فيه غيرهم ، فبناء ننظر أي المذاهب يشبه المجوس على هذا الحد ، فليس ذلك إلا مذهب هؤلاء المجبرة فإنه يضاهي مذهب المجوس من وجوه :
شبه المجبرة مع المجوس :
أحدها : هو أن المجوس يقولون في نكاح البنات والأمهات : بقضاء الله وقدره ، ولا يشاركهم في القول بذلك إلا هؤلاء المجبرة ، إذ لا أحد سواهم يقول فيما يجري هذا المجرى أنه بقضاء الله تعالى وقدره.
وأحدها : هو أن المجوس يقولون إن مزاج العالم وهو شيء واحد حسن من النور قبيح من الظلمة ، ولا يشاركهم في القول بذلك إلا المجبرة لأنهم هم الذين يقولون إن الكفر وهو شيء واحد يحسن من الله تعالى ويقبح من الواحد منا ، يحسن من حيث خلقه الله تعالى ويقبح من حيث كسبه.
وأحدها : هو أن المجوس يجوزون الأمر بما ليس في الوسع ولا في الطاقة ، والنهي عما لا يمكنه الانفكاك منه ، يقال : إنهم يصعدون ببقرة إلى شاهق ، ويشدون قوائمها ثم يدهدونها ، ويقولون : انزلي ولا تنزلي ، مع أن البقرة لا يمكنها الانفكاك من النزول ولا الإتيان بخلافه ، وهذه حال القوم ، لأنهم يقولون إن الله تعالى كلف الكافر الإيمان مع أنه لا يمكنه فعله ولا الإتيان به ، ونهاه عن الكفر مع أنه لا يتصور الانفكاك منه.
وأحدها : هو أن المجوس قالوا : إن القادر على الخير لا يقدر على خلافه بل يكون مطبوعا عليه ، وكذلك القادر على الإيمان لا يقدر على الكفر بل يكون محمولا عليه ، والقادر على الكفر لا يقدر على الإيمان بل يكون مطبوعا عليه لا يمكنه مفارقته