التكليف. فإن قالوا : إن بينهما فرقا ، فإن العاجز فيه ضد الإيمان بخلاف الكافر ، قيل لهم : إذا كان إنما لا يصح الإيمان من العاجز لأنه ليس فيه القدرة عليه بل فيه ضدها ، والكافر إذا شاركه في أن لا قدرة له على الإيمان وجب أن لا يحسن تكليفه أيضا. يبين ذلك ويوضحه ، أنه إذا لم يحسن تكليف العاجز لأن فيه ضدا واحدا ، فلأن لا يحسن تكليف الكافر وفيه أربعة أضداد ، هي الكفر ، وقدرة الكفر وإرادة الكفر والقدرة الموجبة للإرادة الموجبة للكفر أولى وأحق.
فإن قالوا : إن الكافر يصح منه الإيمان ويجوز ويتوهم ، بخلاف العاجز. قلنا : إذا لم يصح الإيمان بشيء من هذه الأشياء على ما ذكرناه ، فقد استويا على أن التجويز بما تقدم إنما هو الشك ، والتوهم على ما مر ظن مخصوص ، والصحة إنما تستعمل في نفي الاستحالة ، وشيء من ذلك فغير ثابت في الكافر ، إذ لا شك في أنه لا يمكنه الإيمان ولا يظن ، وينفي عنه استحالة وقوع الإيمان مع ما فيه من الكفر والقدرة الموجبة له والقدرة الموجبة للإرادة الموجبة له.
ثم يقال لهم : ما تعنون بقولكم : إنه يصح منه الإيمان أو يجوز أو يتوهم؟ فإن أردتم به أنه يصح منه مع ثبوت هذه الأضداد فيه فقد أحلتم ، لما في ذلك من اجتماع المتضادات فيه ، وإن أردتم به أنه يصح منه ذلك بشرط أن لا يكون كان فيه الكفر والقدرة الموجبة له ، وكان بدله الإيمان والقدرة الموجبة للإيمان ، فإن ذلك تجويز البدل عن الموجود ، وتعليق وجود الشيء ، بانتفاء أم قد ثبت ، وذلك محال.
على أن هذه الطريقة ثابتة في العاجز ، فيقال : صح منه الإيمان بشرط أن لا يكون كان فيه العجز وكان بدله القدرة ، فكيف يقع الفرق بينهما والحال هذه؟ قالوا : الكافر مطلق مخلى ، بخلاف العاجز فإنه ممنوع ، قلنا. أول ما في هذا ، أن الإيمان لا يفعل بالإطلاق والتخلية وإنما يفعل بالقدرة ، وهو لم يعط القدرة.
ثم يقال لهم : ما تريدون بقولكم إن الكافر مطلق مخلّى؟ فإن أردتم به أنه مطلق مع ثبوت هذه الأضداد فيه فذلك لا يصح لاستحالة اجتماع الضدين فيه ، وإن أردتم به أنه مطلق بشرط أن لا يكون كان فيه هذه الأضداد وكان بدلها الاطلاق والتخلية ، فذلك تجويز البدل عن الموجود وتعليق وجود الشيء بانتفاء أمر آخر قد وجد. على أن الإطلاق والتخلية إنما يوصف به القادر إذا لم يكن ممنوعا ، ألا ترى أنه لا يقال في الزمن أنه مطلق مخلى بينه وبين المشي ، وكذلك لا يقال في المقصوص الجناح أنه مطلق مخلى بينه وبين الطيران ، والكافر غير قادر على الإيمان فكيف يوصف بالإطلاق