عودة إلى تحقيق الأدلة على القوم :
ثم إنه رحمهالله عاد إلى تحقيق هذا الإلزام على القوم.
والأصل فيه ، أن هذا الإلزام إلزام العبارة دون المعنى ، لأن المعنى مما قد ذهب إليه القوم ، وإنما امتنعوا من إجراء هذه العبارة على الله تعالى ، لما رأوا أن الأمة بأسرهم اتفقوا على أن من أطلق هذه اللفظة على الله تعالى فقد كفر ، وهؤلاء القوم إذا اعتقدوا في الله تعالى أنه فاعل للظلم ولما هو أفحش منه فقد كفروا ، سواء أجروا هذه اللفظة على الله تعالى أو لم يجروا.
يبين ما ذكرناه ويوضحه ، أن إطلاق هذه العبارة إنما صار كفرا لتضمنه إضافة الظلم إلى الله تعالى لا لمجرد العبارة ، وعلى هذا فإنه لو كان الظالم في بعض اللغات اسما للعادل ، فوصف المتكلم بتلك اللغة إلهه بالظلم. فقال : يا ظالم يا ظالم ، يريد به يا عادل يا حكيم ، فإنه لا يكفر.
وربما وجه هذا الإلزام على وجه آخر فقال : لو كان الله تعالى فاعلا للظلم لوجب أن يقال : إن الظلم منه ومن عنده ، وهذا لا يرتكبه القوم.
وربما ألزمهم وجها آخر فقال : لو كان الله تعالى فاعلا للظلم لوجب أن ترجع إليه أحكام الظلم من الذم والاستخفاف وما يتعلق بذلك ، تعالى الله عن ذلك. وهذا جيد ، إلا أنه لا يختص الظلم بل يضم جميع القبائح من الكذب والعبث وغيرهما ، فصح أن هذا الإلزام يعود إلى العبارة على ما ذكرناه.
إذا ثبت هذا ، وأردت أن تلزمهم إطلاق هذه العبارة على الله تعالى ، فلك فيه طريقان اثنان :
أحدهما : أن تقول : قد ثبت أن قولنا فاعل للظلم وقولنا ظالم واحد ، بدليل أنه لا فرق بين أن يقول القائل فلان فاعل للظلم ، وبين أن يقول إنه ظالم. حتى لو قال فلان ظالم وليس بفاعل للظلم وليس بظالم ، لتناقض الكلام ، وهذه إمارة اتفاق اللفظين في المعنى ، فإن بهذه الطريق يعرف أن معنى الجلوس والقعود واحد ، وكذلك الكلام في كل لفظين متفقين في المعنى.
فإن قيل : كيف يصح قولكم إنهما متفقان في المعنى ، ومعلوم أن قولنا ظالم اشتق من ظلم ، وقولنا فاعل للظلم اشتق من فعل الظلم؟ قلنا : إنا ما ادعينا اتفاقهما في الاشتقاق وإنما قلنا ، إنهما متفقان في المعنى ، ولا يمتنع في اللفظين اتفاقهما في