يجب عليه أكثر من المعرفة الإجمالية.
ثم يعرض للأصول الخمسة عرضا سريعا يتناسب مع هذه الفكرة مبينا ما يجب على المكلف معرفته من كل أصول من الأصول الخمسة : التوحيد ، والعدل ، والوعد والوعيد ، والمنزلة بين المنزلتين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويعود بعد ذلك إلى تفصيل ما أجمله من أصول ويختم الكتاب بفصل في التوبة تيمنا وتبركا وتفاؤلا بالخير والقبول.
وتمتاز عبارة هذا الكتاب بالوضوح والسهولة ، على عكس عبارة «المغني» ، ولعل ذلك لأنه أملاه بعد بدئه في «المغني» ، وكان يلقيه في دروس يحضرها العامة والخاصة ، فأراد أن يبسط قواعد الاعتزال وييسر تناولها ونشرها.
وتبدو قيمة هذا الشرح في أنه يحيط بأغلب المسائل الاعتقادية التي كانت مدار البحث بين الكلاميين على اختلاف مشاربهم من معتزلة وأشعرية وكرامية ومجبرة إلى غيرهم. وهو ينصف خصومه حينما يعرض آراءهم بكل دقة ووضوح ثم يبدأ بالرد عليهم بهدوء وأدب وقلما نجد كلمة نابية في مناقشته لأفكار الغير.
والقارئ لهذا الكتاب يستطيع أن يأخذ فكرة شاملة عن تطور بحوث الكلام وأصول الدين عند المسلمين حتى بداية القرن الخمس الهجري ، لأن القاضي عبد الجبار بسبب اطلاعه على شتى المذاهب ، وبفضل حياته المديدة المليئة بالمناقشات والمحاورات كان أقدر الناس على أن يقدم لنا هذه الصورة الكاملة.
ولا شك أن القاضي كان أحد الأفذاذ الذين وقفوا في وجه المحاولات القوية التي كانت تبذل لتمييع الثقافة الإسلامية وإخفاء شخصيتها بالمؤثرات الأجنبية. وإذا كان قد استفاد من الثقافات الأجنبية فإنما كانت هذه الاستفادة بمقدار إذ لم يتخل عن قواعده وأصوله لقد ظل القاضي طول حياته كالطود الراسخ يكافح مع المكافحين من علماء الكلام في منع طغيان هذه التيارات الدخيلة ، وذلك لما كان يحمله من ثقافة إسلامية وعربية ضخمة ، ولما كان يحرص عليه من الاحتكام دوما إلى الفهم الإسلامي لمختلف القضايا الفكرية.
لذا فإننا نراه يرفض بشدة أن تكون الفلسفة اليونانية موجهة للفكر الإسلامي ، أو أن تصبح قواعد منطق أرسطو هي الحاكمة لهذا التفكير. لكن هذا السد المنيع لم يلبث أن أنهار بعد ذلك وأصبح منطق أرسطو أمرا يرتفع فوق الشبهات ، واختلطت الفلسفة