أوجبت لما تفاضل القادرون لأن الموجب واحد ، ولما صح منه تعالى ما استحال منا لما ذكرناه ، ومعلوم خلاف ذلك ، وإذا كانت موجودة لم تخل إما أن يكون لوجودها أول أو لا أول لوجودها ، فإن كانت لا أول لوجودها فهي قديمة ، وفي ذلك إثبات قديم معه وذلك لا يجوز ، ولأنها [لو] (١) لم تكن بأن توجب له كونه قادرا أولى من أن توجب لها كونها قادرة ، فتخرج عن كونها علة وتصير فاعلا وذلك باطل وإذا كان لوجودها أول فهي المحدثة ، ولا يجوز أن يكون قادرا لعلة محدثة ؛ لأنه كان لا يخلو إما أن يكون أحدثها هو تعالى أو غيره ، وباطل أن يكون أحدثها غيره ؛ لأن وجود غيره من القادرين يترتب على كونه سبحانه قادرا ، وباطل أن يكون أحدثها هو تعالى لاستحالة وجود الفعل إلا من قادر ، فلو لم يكن قادرا إلا بعد إحداثها ، ولا يحدثها حتى يكون قادرا ، لو وقف كل واحد من الأمرين على صاحبه ، فلا يحصلان ولا واحد منهما وذلك محال ؛ فإذا صح ما ذكرناه ثبت كون الباري سبحانه قادرا لذاته ، وهو موجود أزلا وأبدا ؛ فيجب أن يكون قادرا فيما لم يزل على جميع أجناس المقدورات كما قدمنا ، وحصول المقدور في الأزل مستحيل من حيث أنه يكون مستحيلا قديما ، ومتى كان كذلك استغنى عن موجود يوجده وخرج عن كونه مقدورا ، فكيف يكون فعلا له سبحانه وليس الباري ـ تقدس ـ عندنا علة موجبة ، فيجب لوجودها وجود معلولها ، بل هو فاعل مختار ، يفعل على مقدار ما يعلمه من المصلحة ، وداعيه سبحانه هو المخصص لوجود الفعل في آن دون آن ، وهو علمه بأن إيجاده في ذلك الآن ممكن ، وبالغ مبلغه في الصلاح دون غيره من الآناء والأوقات ، وما ذكرنا من أنه هل يكون موقوفا على
__________________
(١) زيادة في (أ).