لما قدمنا ، وإن أراد ما هو المفهوم من التصور ؛ لأنه إذا أطلق سبق إلى فهم السامع أن الإنسان قد ظن أن ما غاب عنه بصفة ما شاهده ، وهو غير قاطع بذلك ، فلا يجوز على الله التصور ؛ لأنه عالم بجميع المعلومات لما يأتي بيانه ، نبين ذلك ونوضحه ؛ أن الإنسان متى حصل له العلم بالباري سبحانه لم يحسن منه أن يقول : تصورت أن للعالم صانعا ، ولا تصورت أن السماء فوقي ، والأرض تحتي ، بل يكون ذلك خلقا من القول مستهجنا ، فيكفي في ذلك أن يقول : لا بد من كون الباري تعالى عالما ليصح منه إيجاد الفعل محكما لاستحالة وجود الفعل المحكم ممن ليس بعالم.
وأما صحة وجود الفعل على الإطلاق فلا يفتقر إلا إلى كونه قادرا فقط.
المسألة التاسعة [ما الدليل على علم الله التفصيلي؟]
قال تولى الله هدايته : إن وجب التجميل وهو العموم في كونه عالما دون التفصيل ، فما وجه الإحاطة بالتفصيل ، كما ورد في التنزيل (١) : (لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) [آل عمران : ٥]؟
الجواب : عندنا : أنه تقدست أسماؤه ، وجل ثناؤه عالم بجميع المعلومات يعلم ما كان ، وما سيكون ، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، فسبحانه وتعالى عمّا يلحد في أسمائه الملحدون ، وينسبه إليه الضالون علوا كبيرا ، والدليل على صحة ما ذهبنا إليه في ذلك ينبني على بيان أصلين :
أحدهما : أنه تعالى عالم.
والثاني : أنه يجب أن يعلم جميع المعلومات.
__________________
(١) نورد الآية كاملة ، وهي : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ).