فهذه الطائفة من الآيات تحكي عن أنّ نظام الخلق قائم على أساس سلسلة من العلل والمعاليل ، أو الأسباب والمسبّبات ، وانّ الظواهر يؤثر بعضها في البعض الآخر ولكن في نفس الوقت يكون مجموع هذا النظام مرتبطاً به سبحانه وانّه إنّما يعمل في إطار مشيئته وإرادته ، وبعبارة أُخرى : انّ جميع العلل والأسباب هي جنود لله سبحانه تمتثل أوامره وتعمل وفقاً لإرادته ومشيئته (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ). (١)
ومع ملاحظة هذا البيان ، يتّضح أنّه لا منافاة ولا تضاد بين صريح الوحي الإلهي الذي يحصر عالم الخلق والإنشاء بالله سبحانه ، وبين النظريات العلمية والنتاجات التجريبية ، التي أثبتت أنّ للأسباب والعلل دورها في حدوث الظواهر الكونية ، وانّ من ذهبوا إلى القول بالتعارض بين العلم والوحي الإلهي ، أمّا انّهم لم يفسّروا الوحي الإلهي تفسيراً صحيحاً ، أو أنّ فهمهم للنتاجات العلمية الحديثة غير صحيح.
وبعبارة أُخرى : انّ كلا الأصلين صحيح وثابت.
١. التوحيد في الخالقية ، وانّه لا مؤثر ولا فاعل ـ في عالم الوجود الواسع ـ بالاستقلال إلّا الله سبحانه وحده.
٢. انّ العلل المادية سبب لنشوء سلسلة من المعاليل والمسببات ، وانّها انّما تفعل فعلها وتؤثر أثرها بمشيئته وإرادته سبحانه ووفقاً لأوامره.
وإذا ما وجدنا من يذهب إلى وجود التنافي والتعارض بين الأصلين المذكورين ، فإنّ ذلك في حقيقة الأمر ناشئ من عدم الفهم الصحيح لأصل
__________________
(١) المدثر : ٣١.