وقال معمر بن المثنى (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) بحيث أرى ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني أجعله في بيت الملك ينعم ويترف ، وغذاؤه عندهم غذاء الملك فتلك الصنعة.
وقوله : (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) وذلك أنه لما استقر عند آل فرعون عرضوا عليه المراضع فأباها ، قال الله تعالى : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ) [القصص : ١٢] فجاءت أخته وقالت : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) [القصص : ١٢] تعني هل أدلكم على من يرضعه لكم بالأجرة ، فذهبت به وهم معها إلى أمه فعرضت عليه ثديها ، فقبله ففرحوا بذلك فرحا شديدا ، واستأجروها على إرضاعه فنالها بسببه سعادة ورفعة وراحة في الدنيا وفي الآخرة أغنى وأجزل ، ولهذا جاء في الحديث «مثل الصانع الذي يحتسب في صنعته الخير كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها» وقال تعالى هاهنا : (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) أي عليك (وَقَتَلْتَ نَفْساً) يعني القبطي (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) وهو ما حصل له بسبب عزم آل فرعون على قتله ، ففر منهم هاربا حتى ورد ماء مدين ، وقال له ذلك الرجل الصالح : (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [القصص : ٢٥].
وقوله : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) قال الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي رحمهالله في كتاب التفسير من سننه قوله (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً).
(حديث الفتون) حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا أصبغ بن زيد ، حدثنا القاسم بن أبي أيوب ، أخبرني سعيد بن جبير قال : سألت عبد الله بن عباس عن قول الله عزوجل لموسى عليهالسلام (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) فسألته عن الفتون ما هو؟ فقال : استأنف النهار يا ابن جبير فإن لها حديثا طويلا ، فلما أصبحت غدوت إلى ابن عباس لأنتجز منه ما وعدني من حديث الفتون ، فقال : تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم عليهالسلام أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا ، فقال بعضهم : إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك لا يشكون فيه.
وكانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب ، فلما هلك قالوا : ليس هكذا كان وعد إبراهيم عليهالسلام ، فقال فرعون : كيف ترون؟ فائتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا معهم الشفار يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه ، ففعلوا ذلك ، فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم ، والصغار يذبحون ، قالوا : ليوشكن أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي كانوا يكفونكم ، فاقتلوا عاما كل مولد ذكر ، واتركوا بناتهم ، ودعوا عاما فلا تقتلوا منهم أحدا ، فيشب الصغار مكان من يموت من الكبار ، فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون منهم ، فتخافوا مكاثرتهم إياكم ، ولم يفنوا بمن تقتلون وتحتاجون إليهم ، فأجمعوا أمرهم على ذلك فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان ، فولدته علانية آمنة.