الترمذي والنسائي من حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عبد الكريم به ، وقال الترمذي : حسن صحيح.
وقد روى البيهقي في دلائل النبوة قصة وفد نجران مطولة جدا ، ولنذكره فإن فيه فوائد كثيرة ، وفيه غرابة ، وفيه مناسبة لهذا المقام ، قال البيهقي : حدثنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل ، قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا يونس بن بكير ، عن سلمة بن عبد يسوع ، عن أبيه ، عن جده ، قال يونس ـ وكان نصرانيا فأسلم ـ : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان «باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران سلم أنتم ، فإني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد ، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد ، فإن أبيتم فالجزية ، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب ، والسلام». فلما أتى الأسقف الكتاب وقرأه فظع به (١) ، وذعره ذعرا شديدا ، وبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة ، وكان من همدان ، ولم يكن أحد يدعى إذا نزلت معضلة قبله لا الأيهم ولا السيد ولا العقاب ، فدفع الأسقف كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى شرحبيل فقرأه ، فقال الأسقف : يا أبا مريم ما رأيك؟ فقال شرحبيل : قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة ، فما يؤمن أن يكون هذا هو ذاك الرجل ، ليس لي في أمر النبوة رأي ، ولو كان في أمر من أمور الدنيا لأشرت عليك فيه برأيي واجتهدت لك ، فقال الأسقف : تنح فاجلس ، فتنحى شرحبيل فجلس ناحية ، فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل ، وهو من ذي أصبح من حمير ، فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه فقال له مثل قول شرحبيل ، فقال له الأسقف : تنح فاجلس ، فتنحى عبد الله فجلس ناحية ، فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له جبار بن فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس ، فأقرأه الكتاب ، وسأله عن الرأي فيه ، فقال له مثل قول شرحبيل وعبد الله ، فأمره الأسقف ، فتنحى فجلس ناحية ، فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعا ، أمر الأسقف بالناقوس فضرب به ، ورفعت النيران والمسوح في الصوامع ، وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار ، وإذا كان فزعهم ليلا ضربوا بالناقوس ورفعت النيران في الصوامع ، فاجتمعوا حين ضرب بالناقوس ورفعت المسوح ، أهل الوادي أعلاه وأسفله. وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع ، وفيه ثلاث وسبعون قرية وعشرون ومائة ألف مقاتل ، فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وسألهم عن الرأي فيه ، فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي وجبار بن فيض الحارثي ، فيأتونهم بخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) فظع به : هابه.