سلمنا أنّه تحدى بكل القرآن على الإنس خاصّة ، غير أنا لا نسلم بلوغ خبر التّحدى فى زمانه وقد تحديه إلى كل النّاس ، فإنّا نعلم أن من كان فى أطراف الأرض ، لم يسمع به فى زمانه ، فضلا عن تحديه بالقرآن.
وعلى هذا التقدير لا يدلّ ذلك على صدقه بتقدير عجز المستمعين له عن المعارضة ؛ لأنّهم بعض النّاس ، وعجز بعض الناس لا يدلّ على صدقه (١) وإلا كان / كل من تفرّد بصنعه يعجز / / عنها بعض النّاس ، وادّعى مع ذلك النّبوّة ؛ أن يكون صادقا فى دعواه ؛ وهو محال.
سلمنا بلوغ التحدّى إلى كل النّاس. ولكن لا نسلم أن المعارضة لم تقع (٢).
فلئن قلتم : لو وجدت المعارضة ؛ لظهرت ، واشتهرت ؛ لأنّها من الأمور العظيمة.
والعادة تحيل أن لا تنتقل.
قلنا : لا نسلم أنها ما ظهرت.
وبيانه : ما اشتهر ، وشاع ، وذاع مما عارض به مسيلمة (٣) ، والأسود العنسى (٤) وما عارضت به العرب من القصائد السبع ، وما عارض به ابن المقفع (٥) ، والمعرّى (٦) وغيرهم.
__________________
(١) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة : «لا شك فى بلوغه إلى فصحاء العرب ، فإذا كان القرآن معجزا بالنسبة إليهم ؛ فلأن يكون معجزا بالنسبة إلى غيرهم أولى».
/ / ل ٨٥ / ب.
(٢) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة (ل ١٦٥ / أ) بأن المعارضة وقعت بدليل ما قاله مسيلمة وغيره ... إلخ».
(٣) مسليمة الكذاب ، سبقت ترجمته في هامش ل ١٥٤ / أ.
(٤) الأسود العنس : عيهلة بن كعب بن عوف العنسى المذحجى متنبئ مشعوذ كذاب ـ من أهل اليمن ، أسلم لما أسلم قومه ثم ارتد عن الإسلام فى أيام النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، فكان أول مرتد عن الإسلام ، وادعى النبوة فتبعه خلق كثير ، ثم قتله أحد مسلمى اليمن ، وكان قتله قبل وفاة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بشهر واحد (دائرة المعارف الإسلامية ٢ / ١٩٨ والأعلام للزركلى ٥ / ١١١).
(٥) ابن المقفع : عبد الله بن المقفع ، ولد فى العراق سنة ١٠٦ ه (مجوسيا ـ مزدكيا) وأسلم على يد عيسى بن على ، وولى كتابة الديوان للمنصور العباسى وترجم له الكثير من الكتب من أشهرها (كليلة ودمنة) وهو من أئمة الكتاب ، كما أنشأ رسائل غاية فى الإبداع ، ولكنه اتهم بالزندقة فقتله أمير البصرة سفيان بن معاوية المهلبى سنة ١٤٢ ه (البداية والنهاية ١٠ / ٩٦ ولسان الميزان ٣ / ٣٦٦).
(٦) المعرى : أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخى المعرى (أبو العلاء) ، ولد ومات فى معرة النعمان ـ ولد سنة ٣٦٣ ه وتوفى سنة ٤٤٩ ه أصيب بالعمى فى الرابعة من عمره ـ رحل إلى بغداد سنة ٣٩٨ ه وبقى بها مدة قليلة ، له مؤلفات كثيرة من أشهرها (رسالة الغفران). (وفيات الأعيان لابن خلكان ١ / ٣٣ ، ومعجم الأدباء ١ / ١٨١).