على تسميته مؤمنا من حيث اللغة أنه مصدق على التحقيق. وآية ذلك في الشرع أن الأحكام الشرعية ، المقيدة بخطاب المؤمنين ، تتوجه على الفسقة توجّهها على الأتقياء إجماعا ، والفاسق يجري مجرى المؤمن في أحكامه ؛ فيسهم له من المغنم ، ويصرف إليه سهم المصالح ، ويذبّ عنه ، ويدفن في مقابر المسلمين ، ويصلى عليه ، وكل ذلك يقطع بكونه منهم.
ثم إن لم يبعد تسميته عارفا بالله تعالى مطيعا له بطاعاته مصدقا إياه ، فلا بعد في تسميته مؤمنا ، ويبعد جدا أن يقال : هذا عارف بالله غير مؤمن به. والكلام في هذا الفصل يتعلق بالتسميات ، ولبابه الوعيد والخلود ، وقد سبق ما فيه مقنع.
وقد يشهد لما ذكرناه إجماع العلماء على افتقار الصلوات ونحوها من العبادات ، إلى تقديم الإيمان ، فلو كانت أجزاء من الإيمان لامتنع إطلاق ذلك ، فإن استدل من سمى الطاعات إيمانا بقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [سورة البقرة : ١٤٣] ؛ قالوا : المراد بذلك ، أي بالإيمان الصلوات المؤداة إلى بيت المقدس.
وربما يستدلون بما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «الإيمان بضع وتسعون خصلة ، أولها شهادة لا إله إلا الله ، وآخرها إماطة الأذى عن الطريق» (١). قلنا : أما الإيمان في الآية التي استروحتم إليها ، فهو محمول على التصديق ، والمراد : وما كان الله ليضيع تصديقكم نبيكم فيما بلغكم من الصلاة إلى القبلتين وأما الحديث ، فهو من الآحاد ، ثم هو مؤول ؛ والعرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا دل عليه ، أو كان منه بسبب.
فصل
فإن قيل : فما قولكم في زيادة الإيمان ونقصانه؟ قلنا : إذا حملنا الإيمان على التصديق ، فلا يفضل تصديق تصديقا ، كما لا يفضل علم علما ؛ ومن حمله على الطاعة سرا وعلنا ؛ وقد مال إليه القلانسي (٢) ، فلا يبعد على ذلك إطلاق القول بأن الإيمان يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، وهذا مما لا نؤثره.
فإن قيل : أصلكم يلزمكم أن يكون إيمان منهمك في فسقه ؛ كإيمان النبي صلىاللهعليهوسلم.
قلنا : النبي عليه الصلاة والسلام يفضل من عداه باستمرار تصديقه ، وعصمة الله إياه من
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الإيمان حديث ٥٨. أبو داود في كتاب السنة باب ١٤. الترمذي في كتاب الإيمان حديث ٦. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ٩. أحمد في مسنده (٢ / ٣٧٩ ، ٤٤٥).
(٢) أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن خالد القلانسي ، توفي في الثلث الأول من القرن الرابع ، أي في حدود سنة ٣٣٥ ه. انظر التبيين لابن عساكر ص ٣٩٨ أصل وهامش.