عن مستحقه ، مع
التمكن من أدائه وإيفائه ، ومطل الغنى ظلم على لسان صاحب الشرع.
وتعتضد هذه الطلبة
، بأن العقاب قد يتنجز منه شيء في دار الدنيا ، إذ الحدود المقامة على مستحقيها
عقاب لهم إجماعا. فإذا لم يبعد تنجز شيء من العقاب ، فما المانع من حمل بعض النعم
على جهة الثواب ، وإن تنجزت في الدنيا؟
فصل
ذهبت الخوارج إلى
أن من قارف ذنبا واحدا ، ولم يوفق للتوبة ، حبط عمله ومات مستوجبا للخلود في
العذاب الأليم. وصاروا إلى أنه يتصف بكونه كافرا ، إذا اجترم ذنبا واحدا. وصارت
الأباضية منهم إلى أنه يتصف بالكفر المأخوذ من كفران النعم ، ولا
يتصف بالكفر الذي هو الشرك.
وذهبت الأزارقة منهم إلى أن العاصي كافر بالله تعالى كفر شرك.
والمعتزلة وافقوا
الخوارج في المصير إلى استحقاق الخلود ، على ما سنفصل مذهبهم. ولكنهم فارقوا
الخوارج من وجهين : أحدهما أنهم لم يصفوا مرتكب الكبيرة بالكفر ، ولم يصفوه أيضا
بالإيمان ، وزعموا أنه على منزلة بين المنزلتين ، ورسموه فيها بكونه فاسقا.
وفارقوهم من وجه آخر ، فقالوا : استحقاق الخلود في العقاب يختص بالكبائر ، وجملة
الذنوب كبائر عند الخوارج ، والمعتزلة قسموا الذنب إلى الصغائر والكبائر على ما
سنعقد فيه فصلا.
وغرضنا الآن الرد
على أصحاب الوعيد ، فنقول : من أصلكم أن الوعيد على التأبيد يستحق بزلة واحدة
ويحبط لأجلها ثواب الطاعات ؛ وذلك ، مع تسليم فاسد أصولكم ، في العقول مستحيل ،
فإن مرجع العقول ومداركها إلى أمثلة الشاهد. ونحن نعلم أن من خدم غيره وبلغ جهده
دائما في رعاية حقه مائة سنة فصاعدا ، ثم بدرت منه بادرة واحدة ، فليس يحسن إحباط
جميع حسناته بسيئة واحدة ، وإن كان الثواب والعقاب متنافيين ، فليس الثواب بأن يحط
ويحبط بأولى من العقاب ، بأن يسقط ، والشرع يدل على درء السيئات بالحسنات ؛ فإحباط
العقاب أحق ، وقد قال الله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [سورة هود : ١١٤].
__________________