ويتوخاها ، فلا يستوجب بإزاء خدمته مزيدا على ما يناله من الإحسان الدّار عليه.
فإذا كان هذا سبيل من يخدم مثله ؛ فالعبد الذي لو قوبلت عبادته بنعماء الله تعالى عليه في لحظة ، لأبرّت نعماء الله تعالى وأربت على جميع قرباته. والرب تعالى يستحق لأن يعبد ، والنعم منه على العباد تترى ، ولو حاول العبد عدّها لم يحصها. فكيف يستوجب العبد بالنزر اليسير من أعماله ، وهو الغريق في أنعم الله تعالى ، مزيد ثواب لو لا فضله العظيم!
ثم عبادة العبد شكر للنعم ، وليس من حكم العقل في مستقر العوائد استيجاب عوض على بذل واجب هو عوض. ولو استحق العبد بشكره عوضا ، لاستحق الرب تعالى على ما يوليه من الثواب عوضا ، ولا محيص عن ذلك.
فصل
يقال للمعتزلة : إن سلم لكم استحقاق الثواب ، فلم زعمتم أنه يثبت على التأبيد؟ والعبادات الصادرة من المكلفين متناهية ، فما بال أعواضها تثبت مع انتفاء النهاية عنها؟
فإن قالوا : إنما كان ذلك ، لأن الثواب هو النعيم الهنيّ الخليّ عما ينكده ، الصفي عن رنق يكدره ، ولو كان الثواب عرضة للزوال لما تهنى به مثاب ، مع علمه بتعرضه للزوال. قلنا لم قلتم إن الثواب يجب على الرتبة العليا في التهني والتخلي عن كل شوب ، فعن هذا سألتم؟
ثم النعم التي يجب على العباد شكرها في دار الدنيا ، مشوبة بالمحن والهموم ، وهي على حقائق النعم مع استحقاق شكرها ، فلا يبعد ذلك في الثواب أيضا ، ثم الرب تعالى مقتدر على أن يلهي المثابين عن ذكر الزوال والتفكر في الانتقال ، إلى أن يستوفوا مدتهم ؛ فما المانع من ثبوت الثواب مؤقتا مع ما ذكرناه؟
ثم نقول : إن كان هذا قولكم في الثواب ، فما قولكم في العقاب؟ فهلا ثبت على التأقيت ، وإذا رد الأمر إلى المعهود شاهدا ، فباضطرار نعلم أن من بدرت منه بادرة واحدة ، ثم قدر له استمرار البقاء ، فلا يحسن معاقبته عليها أبدا سرمدا ، فما وجه حسن ذلك من أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين؟
فإن قالوا : إنما يخلد الله تعالى في النار من علم أنه لو ردّ لعاد لما نهي عنه ، قلنا : هذا لا يخلصكم عما ألزمناكموه ، ولنا أن نقول بتأقت العقاب ، ثم يميت الله تعالى من علم أنه لو ردّ لعاد لما نهي عنه ، أو يسلبه عقله بعد توفي العقاب عليه ، وهذا القدر كاف في غرضنا.
ومما يطالبون به ، أن الثواب عندهم لا يقع منه شيء في دار الدنيا ، ولكن يستأخر إلى انقضاء أمد الدنيا ، وإلى تصرّم اليوم الثقيل يوم القيامة ، وليس من حكم العقل فينا تأخير المستحق وحبسه