ودفعوا البحث عن الأصول والنظر وشدّدوا فيه ونهوا عنه» فقد ذكرنا فى صدر كتابنا ما فيه جواب قوله فى باب التّقليد والنّظر ؛ ولكنّا نعيد القول به ، إذ كان هذا موضعه ، ونقول :
إنّه وغيره ممّن يدّعى الفلسفة (١) ، قد أوجبوا التّقليد على أتباعهم فيما يدقّ من علومهم ، وأجازوا التّسليم (٢) لرؤسائهم فيما لا تبلغه عقولهم ؛ على ما ادّعاه الملحد من أنّ من نظر فى شيء من الفلسفة ، تخلّصت نفسه من كدورة هذا العالم ، وإن لم يبلغ الغاية فيها (٣). أو ليست هذه رخصة (٤) فى ترك النّظر فيما يدقّ ، والتّسليم والرّضى بمقدار ما يلحق؟ أو ليس قد أوجب التّقليد (٥) فيما لا يبلغه عقله؟ فكيف يجيز ذلك لأتباعه ، وينكر على أهل الشّرائع أن ينهوا أتباعهم عن النظر فيما تعجز عنه عقولهم ، وأن يسلّموا لعلمائهم اذا عرفوا طريق الحقّ ، وأن يقلّدوهم ما ليس فى وسعهم أن يلحقوه؟!
ونقول : إنّ أهل الحقّ والعدل لا يجيزون (٦) التقليد فى الأصول ، مثل : معرفة التّوحيد ، وأمر النّبوّة ، وإثبات الإمامة ؛ هذا ما لا يجوز قبوله بالتّقليد. فاذا ثبت (٧) التّوحيد وصحّ أمر النّبوّة وثبت (٨) أمر الإمامة ، بعد ذلك يجوز التقليد للامام الحقّ (٩) العادل العالم. وليس فى جبلّة البشر أن يبلغوا الغاية من العلم (١٠) ، اذ (١١) كان فوق كل ذى علم عليم. وإن سقط التّقليد بعد معرفة هذه الأصول كما ذكرنا وكلّف الناس كلّهم أن يبلغوا الغاية ، فقد
__________________
(١) ـ الفلسفة : علم الفلسفةC (٢) ـ التسليم : + والرضى B (٣) ـ فيها : ـ C (٤) رخصة : رخصيةA (٥) ـ التقليد : ـ B (٦) ـ لا يجيزون : لا يجوزون AB (٧) ـ ثبت : اثبت C (٨) ثبت : يثبت C (٩) ـ الحق : المحق BC (١٠) ـ العلم : المعالم A (١١) اذ : وان A ، واذ : C