من المختلط. فمن هذه الجهة (١) تعرف بالشّم والذّوق. فأما أن يعرف إنسان طبعها بالشّم والذّوق ، ويعرف (٢) الخصوصيّة التى فيها من غير معرفة تقدّمت منه بها ، فهو أمحل المحال. وسبيل الطّبيب الحاذق المتفلسف الّذي يعرف العقاقير وسبيل من لم يمارس هذا الشأن ولا يعرف شيئا منه فى معرفة طبيعة شيء لم تتقدّم معرفته به واحد. ومن ادّعى سوى ذلك فهو مبطل.
(٢) وقد كنت ذاكرت الملحد فى ذلك فباهت وأصرّ على هذه الدّعوى. فقلت له : هل (٣) أدركت أنت بطبعك وفطنتك ما لم يسبق إليه من تقدّمك فيصدّقك فى هذه الدّعوى.؟ قال : نعم (٤) ، أخبرك فى هذا بأمر عجيب. كانت لى قصة مع أحمد بن إسماعيل وقت مقامى ببخارى عجيبة. وذلك أنه قد كان خرج يوما من الأيّام متنزها وكنت معه فى موكبه. فدفعنا إلى موضع نزه كثير (٥) العشب والنّور. فنزل ونزلنا معه ونظر إلى حشيشة قريبة منه. فقال لى : يا فلان! لما ذا تصلح هذه الحشيشة؟ فاجبته على البديهة وقلت : تدرّ البول. فأمر ان تختلى (٦) تلك. وحضر الطّعام وقدّمت المائدة ، فوضعت تلك الحشيشة على طرف المائدة وقعدنا معه. ودعا بغلام له كان يأكل معه. فأقعده فى ناحية المائدة التى عليها تلك الحشيشة وأقبلنا نأكل. فتناول الغلام تلك الحشيشة على سبيل من تناول البقل ، وهو لم يعرف خبرها وما جرى (٧) فى أمرها. فما استتمّ طعامه حتى قام عن المائدة وغاب عنا وبال. فلما انصرف قال له صاحبه : ما شأنك ولم قمت عن الطعام؟ قال : غلبنى البول ولم أقدر على ضبطه. فتعجّب هو من ذلك
__________________
(١) الجهة : الحجةB (٢) ـ يعرف ... يعرف : ـ B (٣) ـ هل : ـ B (٤) ـ نعم : + اناC (٥) ـ كثير : كثرA (٦) ـ تختلى : يختلى C (٧) ـ جرى : حمى C