ذلك ، جرى مجرى الملحدين الذين (١) قضوا على الأنبياء البررة بالكذب والاختلاف والتناقض. فكلام الأنبياء ، هو مبنىّ على الحكمة ؛ والحكمة هى العمل بالعلم. فاذا اجتمع العلم والعمل ، سمّى (٢) ذلك حكمة. ومن عمل عملا بمعرفة وعلم ، سمّى حكيما. والّذي يعمل عملا بلا علم ، فهو جاهل ؛ والجهل يدعو إلى العدوان والبغى. والأنبياء (ع) خصّوا (٣) بعلم ما فى شرائعهم المستحقين الخاضعين ، ولم يبخلوا به عليهم ؛ وصانوه عن الباغين المعتدين الذين ليسوا له بأهل ، كما روى أنّهم قالوا : لا تضع الحكمة فى غير أهلها فتضيعها ، فتكون (٤) كمن (٥) ينثر الدّر بين يدى الخنازير ، ولا تمنعها عن أهلها فتكون قد ظلمتها.
فتدبّر رحمك الله ما قد شرحته لك بعين (٦) النّصفة ، واجتنب العناد والبغى ، وانظر فى سنن الأنبياء ورسومهم وشرائعهم لتعرف مرادهم ولتعلم لما ذا قصدوا ، والى ما ذا (٧) دعوا ، وليزول الشّكّ والشّبهة عن قلبك ؛ وتعلم أن الملحدين حين عابوهم بالاختلاف فى ظاهر شرائعهم ، قد ضلّوا عن سبيل الهدى ، لمّا جهلوا هذا (٨) الباب ولم يعلموا أنّ تحت شرائعهم الظّاهرة المختلفة ألفاظها معانى تؤلف بينها ؛ فعند ذلك ادّعوا عليهم التّناقض ؛ كما ادّعى الملحد فى كتابه أنّ محمّدا (٩) (ص) خالف موسى وعيسى (ع) ، وأنّ بعضهم خالفوا بعضا ، وقال : انّ كتاب محمّد (ص) هو مملوء من التّناقض ، وذكر ما فى التّوراة من ظاهر ما رسمه موسى (ع) فى ذكر البساط والخوان ، ووضع الشّحم والثرّب (١٠) على النار لسرور الرب وأنّ عتيق الأيّام فى صورة شيخ أبيض
__________________
(١) ـ الذين : ـ C (٢) ـ سمى : يسمى B (٣) ـ خصوا : ـ B (٤) ـ فتكون : وتكون AC ـ (٥) كمن : كن A (٦) ـ لك بعين : لاربعين A (٧) ـ ما ذا : ماAB (٨) ـ هذا : لهذاC (٩) ـ محمدا : محمدC (١٠) ـ الثرب : التراب A