وذلك أن المجاهدة
تؤدي إلى المشاهدة ، والعناية بطهارة القلب وتزكية النفس تفجر الحكمة في قلب العبد
، قال الغزالي : أما الكتب والتّعليم فلا تفي بذلك ـ أي بالحكمة تتفجّر في القلب
بل الحكمة الخارجة عن الحصر والعدّ إنّما تتفتح بالمجاهدة ومراقبة الأعمال الظاهرة
والباطنة ، والجلوس مع الله عزوجل في الخلوة مع حضور القلب بصافي الفكرة ، والانقطاع إلى
الله عزوجل عما سواه فذلك مفتاح الإلهام ومنبع الكشف فكم من متعلّم
طال تعلّمه ولم يقدر على مجازاة مسموعه بكلمة وكم من مقتصر على المهم في التّعليم
، ومتوفر على العمل ومراقبة القلب ، فتح الله عليه من لطائف الحكمة ما تحار فيه
عقول ذوي الألباب ، ولذلك قال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يكن يعلم» .
العامل الثّالث
عشر : وجود الرّسول صلىاللهعليهوسلم بينهم يحفظهم الكتاب والسّنة ويعلمهم ما لم يتعلموه ،
ويفقههم في أمور دينهم.
قال الشيخ
الزّرقانيّ : «ولا ريب أن هذا عامل مهمّ ييسر لهم الحفظ ويهون عليهم الاستظهار ...».
عوامل خاصّة
بالقرآن الكريم : وهذه العوامل ـ الخاصّة توافرت في حفظ الصّحابة للقرآن الكريم
دون السّنّة النّبوية المطهرة.
أوّلها : تحدّي
القرآن للعرب بل لكافّة الخلق.
قال تعالى : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) ، ولما عجزوا قال : (فَأْتُوا بِعَشْرِ
سُوَرٍ مِثْلِهِ) ، ولما عجزوا قال : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ
مِنْ مِثْلِهِ) ، ولما عجزوا سجّل عليهم هزيمتهم وأعلن إعجاز القرآن فقال
عز اسمه : (قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا
يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) .
ثانيها : عنايته صلىاللهعليهوسلم بكتابة القرآن فيما تيسر من أدوات الكتابة ، إذ اتخذ
كتّابا للوحي من
__________________